الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
وأرسلنا هودا إلى قبيلة عاد، المشهور أنها عربية وقيل غير ذلك، وكانت تسكن الأحقاف (في شمال حضر موت وغربي عمان، وكانت قبيلة ذات قوة وبطش وأصحاب زرع وضرع، زادهم الله بسطة في الجسم والمال، وهم خلفاء قوم نوح) ، وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [سورة الأعراف آية 69] أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ [الشعراء الآيات 128- 133] .
أرسل إليهم أخاهم هودا من أوسطهم نسبا، وأكرمهم بيتا قال لهم: يا قومي ويا أهلى: اعبدوا الله وحده، لا تشركوا به غيره، مالكم من إله غيره خلقكم ورزقكم وأمدكم بما تعلمون وما لا تعلمون، إن أنتم إلا مفترون على الله الكذب في الشركاء والأوثان.
وكان في قبيلة عاد مترفون ألفوا التعالي على الغير، واستمتعوا بالنعم حتى امتلأت قلوبهم كبرا وبغيا وفسادا وضلالا، وهؤلاء هم أعداء الحق دائما إذ يرون في النبوة نورا يعمى أبصارهم، ويفتح أذهان العامة فيأخذون حقهم، فتكسر شوكتهم وتضيع دولتهم لذلك نرى مع كل نبي أن أول كافر به هم أشراف قومه إذ كيف يخضعون لواحد منهم بشر مثلهم.
قال هؤلاء: أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا؟ إنا إذن لفي ضلال مبين، ما أنت إلا شخص لك غرض خاص في هذه الدعوة.
فيرد عليهم هود: يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من عبادة الله وحده ونبذ الشرك والشركاء لا أسألكم عليه أجرا حتى تتهموني بطلب المنفعة، وأن لي غرضا ما أجرى إلا على الذي خلقني على الفطرة السليمة، وهداني إلى الحق الذي أدعو إليه أفلا تعقلون ما أدعوكم إليه، وتميزون بين الحق والباطل، ويا قوم استغفروا ربكم من ذنوبكم ثم توبوا إليه توبة نصوحا إنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم كثيرا فأنتم في حاجة إليه، ويزدكم قوة إلى قوتكم، وعزا زيادة على عزكم، وإياكم والإعراض عن دعوتي فإن فيها الخير والفلاح.
قالوا إنا لنراك في سفاهة، وضعف عقل وخروج عن جادة الصواب وإنا لنظنك من الكاذبين قال هود: ليس بي سفاهة وكيف أكون ذلك وأنا رسول رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين.
اشتد الأمر بعد ذلك، وقالوا: يا هود ما جئتنا بحجة قوية تدل على أنك رسول من الله، وما نحن بتاركي آلهتنا صادرين عن قولك من تلقاء نفسك، وما نحن لك بمؤمنين ومصدقين برسالتك.
إن نقول إلا أصابك بعض آلهتنا بسوء حين تعرضت لهم وإنك اليوم مصاب بخبل في العقل وجنون في الرأى.
قال هود: أشهد الله أنى بلغت ما كلفت به، واشهدوا أنى برىء مما تشركون به، وإذا كان الأمر كذلك وأن آلهتكم لها قدرة على عمل، فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم ثم كيدوني جميعا، ولا تمهلون، إنى توكلت على الله ربي وربكم ووكلت له أمر حفظي، وهو على كل شيء قدير.
ما من دابة في الأرض أو السماء إلا هو آخذ بناصيتها، ومصرف أمرها ومسخرها إلى أجل مسمى، إذ له ملك السموات والأرض، إن ربي على صراط مستقيم هو طريق الحق والعدل فإن تتولوا بعد هذا، ولم تطيعوا أمرى فقد بلغت ما أرسلت به إليكم وأبرأت ذمتي من الله وسيستخلف ربي قوما غيركم، ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ، وقائم ورقيب.. وهذه هي النهاية.
ولما جاء وقت أمرنا، ونزول عذابنا، نجينا هودا ومن معه من المؤمنين برحمة خاصة بهم لا تتعداهم إلى غيرهم، نجيناهم من عذاب غليظ فظيع إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [سورة القمر الآيتان 19- 20] فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [سورة الحاقة الآيتان 7 و 8] .
وتلك عاد جحدوا آيات ربهم وعصوا رسله أى: جنس الرسول وجنس الآيات الصادقة بآياته ورسوله وهم قد اتبعوا أمر كل جبار يجبر غيره على اتباع رأيه وهم الأشراف العنيدون الذين لا يخضعون للحق.