الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
رُبَما وقرأ بعض القراء (ربّما) وهما لغتان فأهل الحجاز يخففون، وتميم وربيعة يثقلون أى: يشددون، والأصل أن تستعمل في القليل وقد تستعمل في الكثير والقرآن الكريم نزل على النبي وقرأه صلى الله عليه وسلم بلهجات العرب تخفيفا عليهم وتسهيلا لحفظهم ذَرْهُمْ دعهم وَيُلْهِهِمُ يشغلهم الأمل وتغرهم الأمانى الخادعة لوما بمعنى هلا وهي كلمة تفيد التحضيض مُنْظَرِينَ
المعنى
مؤخرين ومؤجلين شِيَعِ جمع شيعة وهي الفرقة والجماعة المجتمعون على رأى واحد نَسْلُكُهُ يقال سلك الشيء في الشيء أدخله فيه يَعْرُجُونَ يصعدون سُكِّرَتْ حبست عن الإبصار كما يحبس النهر من الجري وقيل المراد: حارت كما يحار السكران والمراد منعت من النظر السليم.
هذا افتتاح لسورة الحجر- وهي سورة مكية- بذكر حروف من حروف المعجم، وهي كغيرها المبدوء بهذه الحروف، قد جمعت بين الكلام على القرآن الكريم وذكر بعض القصص ونقاش الكفار والمشركين، ومن هنا كانت المناسبة بينها وبين سورة إبراهيم ظاهرة.
المعنى:
تلك الآيات- والإشارة لآيات السورة- آيات الكتاب الكامل في كل شيء، وآيات قرآن مبين كامل في البنيان، وأنت ترى أنه جمع بين اسمى القرآن الكريم بالعطف لأنهما مقصودان بالذات، وكان تنكير لفظ قرآن للتفخيم، ولا غرابة في ذلك فهو القول الحق الصادر من الحق- سبحانه وتعالى، ولذا ترى الكفار حينما يجدون ما وعدهم ربهم حقا يوم القيامة يودون لو كانوا مسلمين.
نعم كثيرا ما يودون لو كانوا مسلمين حينما يرون العذاب يصب عليهم صبّا والمسلمون في جنات النعيم، وقيل إنهم يودون ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب، ولفظ ربنا يستعمل للتكثير والتعليل، وأما أنت يا محمد: فدعهم، ولا يهمنك أمرهم فهم لا يرعوون، ذرهم يأكلوا كما تأكل الأنعام ويتمتعوا بالعرض الزائل والمتاع الفاني، ويلههم الأمل وتغرهم الأمانى، فسوف يعلمون عاقبة عملهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وفي قول القرآن الكريم لهم على لسان الرسول: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا منتهى التهديد والذم لهم، وتصوير بارع لما انطوت عليه نفوسهم وإن من يعرف مقدار ألم الزبرقان بن بدر- رضي الله عنه حينما هجاه الخطيئة بقوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
…
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى
وشهادة حسان بن ثابت بأن الشاعر ساح عليه أى عابه عيبا فظيعا يدرك مقدار ذم القرآن لهم وأنهم يستحقون ذلك.
ولله سنة لا تتخلف مع الأمم: وهي أنه لا يهلك قرية من القرى أبدا إلا في حال أن لها كتابا معلوما وأجلا محدودا. لا تسبق أجلها عنه وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ.
ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [سورة الرعد آية 38] .
ولقد قالوا مقالتين جانبوا فيهما الصواب. وافتروا الباطل الصريح ورد القرآن الكريم عليهما:
قالوا: يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. وفي قولهم للنبي وندائهم له- بالذي نزل عليه الذكر- استهزاء وأى استهزاء؟! ومعنى قولهم هذا: إنك لتقول قول المجانين حين تدعى أن الله أنزل عليك الذكر هي المقالة الأولى..
وأما الثانية فهي: لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ على معنى تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك في قولك لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [سورة الفرقان آية 7] . وبعضهم يرى أن المعنى: هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا إن كنت صادقا في دعواك اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال آية 32] .
ولقد رد عليهم فقال ما معناه: لسنا ننزل الملائكة أبدا إلا تنزيلا متلبسا بالحق من عندنا والحكمة التي نعلمها، وليس هناك حكمة في أن تروا الملائكة عيانا يشهدون بصدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو المعنى: ما ننزلهم بالعذاب إلا بالحق وفي الوقت المقدر بالضبط، ولو نزلنا الملائكة وقتئذ ما كانوا منظرين، وما أخر عنهم العذاب لحظة.
وهذا رد على مقالتهم الثانية:
وأما الرد على الأولى فها هو ذا: إنا نحن نزلنا الذكر- فأكد لهم أنه- سبحانه- هو المنزل على سبيل القطع والجزم، وأنه هو الذي بعث به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وبين يديه ومن خلفه حفظة ورصدة يحفظون القرآن حتى يبلغه جبريل إلى النبي محفوظا تاما غير منقوص ولا مزيد فيه، نعم إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، وتلك خصوصية للقرآن قد تكفل الله وحده بحفظه ورعايته ما دامت السموات والأرض ولذلك لم ير فيه في أى وقت ولا في أى مكان زيادة أو نقصان ولا تحريف ولا تبديل بخلاف الكتب السابقة حيث وكل الله أمر حفظها للربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا وعدوانا واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وعرضا حقيرا فكان التحريف والتبديل الظاهر في كل طبعة من طبعات الكتب السابقة إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ
[سورة المائدة آية 44] .
وأما أنت يا محمد فلست بدعا من الرسل- والناس هكذا قديما وحديثا- فلا تأس على القوم الكافرين، ولقد أرسلنا من قبلك رسلا مبشرين ومنذرين في شيع وفرق وأمم سابقة، وما أتاهم من رسول قبلك إلا كانوا به يستهزئون، وعليه غاضبون، وبه كافرون، وتلك سنة الله في الخلق.
مثل ذلك التكذيب والكفر الذي أدخل في قلوب المجرمين السابقين ندخله في قلوب المجرمين المعاصرين، أو المعنى: مثل ذلك الإدخال ندخل القرآن مكذبا به ومستهزئا به في قلوب المجرمين حالة كونهم لا يؤمنون أبدا مهما حاولت وفعلت، ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فعرجوا فيه وصعدوا إلى السموات العلا ورأوا من آيات ربك الكبرى، وكان ذلك في وضح النهار وتحت نور الشمس لو حصل هذا لقالوا: إنما سكرت أبصارنا وحبست عن الإبصار ونحن في حيرة وارتباك، وعبارتهم تفيد حصر