الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد على من يصف النبي بأنه كاهن أو شاعر [سورة الشعراء (26) : الآيات 221 الى 227]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
المفردات:
أَفَّاكٍ كذاب أَثِيمٍ فاجر وادٍ المراد فنون القول وطرقه يَهِيمُونَ الهيام: أن يذهب المرء على وجهه لا يلوى على شيء من عشق أو غيره مُنْقَلَبٍ مصير ومرجع.
المعنى:
كان للقرآن وقع في نفوس العرب كبير، وكان لجرسه هزة في أسماعهم وكان له أثر السحر فيهم أو أشد، أرأيت إلى الوليد بن المغيرة حين سمع جزءا منه فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر، وإلى العربي الذي سمع قارئا يقرأ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فسجد فقيل له:
لم؟ قال سجدت لبلاغته، وأظنك لا تنسى قصة إسلام عمر حين سمع أول سورة (طه) وهو في أشد عنفوانه، وأقوى عدائه للمسلمين.
هذا القرآن حار فيه المشركون بماذا يؤولون هذا السحر الذي فيه، الذي يفرق بين المرء وأبيه، وأمه وأخيه!! فقالوا: إنه سحر، وأخرى إنه كهانة. وثالثة إنه شعر أى له تأثير الشعر، ويرد الله عليهم هنا بأنه ليس كهانة ولا شعرا.
وللكهانة عند العرب في أيام الجاهلية تأثير كبير، ولكهانتهم مركز ملحوظ يقطع بهم النزاع، ويحكمون في المعضلات والمشكلات من الأمور، وكتب الأدب العربي مليئة بأخبارهم وقصصهم. فهند بنت عتبة- أم معاوية بن أبى سفيان- مع زوجها الفاكه بن المغيرة المخرومى لها قصة: حيث رماها زوجها بالزنا فذهب أبوها إلى الكاهن فقال لها انهضى يا هند غير رسحاء ولا زانية وستلدين ملكا اسمه معاوية: فالتفتت هند إلى زوجها الفاكه وقالت من غيرك وتزوجت أبا سفيان وولدت معاوية.
ومن أشهرهم فاطمة الخثعمية وكانت بمكة، ولها قصة مع عبد الله بن عبد المطلب قبل زواجه بآمنة أم الرسول
…
ومن أشهرهم شق أنمار، وسطيح الذئبى.
ويرجع فيما أعلم صدق بعض كلامهم إلى قوة الفراسة، وبعد النظر، وإلى استراق السمع من السماء بواسطة الشياطين، وكان لهم قدرة على ذلك قبل البعثة كما قدمنا، وكثيرا ما كذبوا في أخبارهم.
ومن هنا يدفع الله عن النبي وعن القرآن وصمة الكهانة بقوله: هل أخبركم أيها الناس على من تنزل الشياطين. إنها تنزل على كل كذاب، أفاك. أثيم فاجر. تلقى الشياطين عليه ما سمعته، وأكثرهم كاذبون يضمون إلى ما سمعوه أكاذيب أخرى كثيرة.
فهل أنتم ترون النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكهان؟
أما الشعر، وما أدراك ما الشعر، فله تأثير السحر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالشاعر، ولا ينبغي له أن يقول لسمو مكانته وشخصيته عن قرضه.
والشعراء يتبعهم الغاوون البعيدون عن الحق، ومحمد صلى الله عليه وسلم يتبعه الهداة المهتدون، ألم تر إلى الشعراء في كل واد من القول وفن فيه وغرض من أغراضه كالغزل والهجاء المقذع. والمدح بالباطل بل مدح الشخص وذمه والإجادة في الناحيتين يهيمون ويسيرون على وجوههم. لا يلوون على شيء، وذلك أن عماد الشعر الخيال والخيال لا يجده حد، ولا يقف دونه شيء، فكلما كان الشاعر واسع الخيال قوى العاطفة كان شعره جيدا قويا، والشعر لا يعتمد على الصدق بل على المبالغة والتجوز ولذا قيل: أعذب الشعر أكذبه، والشعراء قوم خياليون عاطفيون يقولون ما لا يفعلون، لهذا كله ما كان ينبغي للنبي أن يقول الشعر والشعر نوع من الكلام فيه الحسن والرديء، والمقبول والمردود، ومن هنا يمكن أن نوفق بين
قول النبي صلى الله عليه وسلم «لأن يمتلئ جوف أحدكم
قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ جوفه شعرا»
يريد النبي صلى الله عليه وسلم لأن يمتلئ الجوف قيحا يأكله خير من أن يمتلئ جوفه شعرا، وبين
قوله صلى الله عليه وسلم «إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة»
فالشاعر الذي وقف نفسه على نصرة الحق والدفاع عن الوطن، والذود عنه، وعلى مدح من يستحق المدح كمن مدح النبي صلى الله عليه وسلم قديما وحديثا، ومن تكلم فأجاد من المواقف الوطنية التي تربى النفوس، وتهذب العقول، وتوحد الصفوف، وليس كالشاعر الذي يتكلم في الغزل، ويتشبب بالنساء والغلمان، والذي يدعو إلى الفجور والفسق، وإن كان كلامه تحفة فنية في باب الأدب، الأول ممدوح شرعا، والثاني مذموم.
ولهذا استثنى القرآن بقوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ودفعوا عن النبي ودينه كحسان بن ثابت وابن رواحه الذي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شعره «خلّ عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم- أى قريش- من نضح النّبل»
وما شعر حسان بن ثابت وشعر البوصيرى، وشعر شوقي عنك ببعيد.
ثم ختمت السورة بهذا التهديد الشديد: وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم أى منقلب ينقلبون.