الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
فِي الْأَنْعامِ الإبل والبقر بنوعيه والضأن والمعز لَعِبْرَةً العبرة تمثيل الشيء بالشيء ليعرف حقيقته بطريق المشاكلة فَرْثٍ الفرث ما ينزل إلى كرش الحيوان فأما الخارج منه فلا يسمى فرثا سَكَراً السكر ما يسكر من الخمر، وقيل غير ذلك وَرِزْقاً حَسَناً جميع ما يأكل من هاتين الشجرتين وَأَوْحى الوحى قد يستعمل بمعنى الإلهام وهو ما يخلق في القلب ابتداء من غير سبب كالغرائز والطبائع في الحيوان مِمَّا يَعْرِشُونَ من الذي يعرشه ابن آدم ويعمله بيده كالخلايا من الطين والغاب والخلايا الحديثة من الخشب والزجاج.
بعد ما ذكر بعض صنيع العرب في جاهليتهم ووقوفهم من الدعوة الإسلامية موقف المشرك المعاند أخذ يذكر أن هذا طبع في الناس قديما وحديثا ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بدعا من الرسل، وليس قومه منفردين بالعتو والاستكبار ثم أخذ بعد ذلك يعدد نعمه علينا وأياديه المختلفة.
المعنى:
تالله العلى القدير (إنه لقسم من الله بنفسه) لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلهم فوقفوا منهم مثل ما وقفوا معك: وزين لهم الشيطان أعمالهم، وفي هذا إشارة إلى أن الأنبياء جميعا يدعون إلى ناحية الخير والروح في الإنسان، والشيطان دائما يقف منهم موقف العناد ويستغل ناحية المادة في الإنسان ويزين له عمله السوء ومعاكسة الأنبياء.
زين لهم الشيطان أعمالهم السيئة فهو وليهم اليوم، وقرينهم في الدنيا، ويحتمل أن يكون المعنى فهو وليهم وناصرهم اليوم أى يوم القيامة، والمراد نفى الناصر عنهم على أبلغ وجه.
وقيل المعنى: فهو ولى هؤلاء الكفار اليوم، ولهم في الآخرة عذاب أليم. ولم يكن هلاك الأمم وعذابهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم، وأنت مع أمتك كذلك، ولهذا قال:
وما أنزلنا عليك الكتاب أى: القرآن لحال من الأحوال أو لعلة من العلل إلا لتبين
للناس الذي اختلفوا فيه من العقائد والعبادات، والناس كما قلنا بين داعيين: داعي البشرية المادية التي هي ارتكاز الشيطان، وداعي الروح الطيبة التي هي من الله، وجاءت الرسل تحكم بين الداعيين وفيما اختلفوا فيه من الاتجاهات، وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى للناس ورحمة لقوم يؤمنون، أليس القرآن وبيانه للمختلف فيه وهدايته ورحمته من أجلّ النعم؟!، ثم عاد الكلام إلى بيان نعم الله علينا المادية بعد بيان أكبر نعمة في الوجود لأنها تتعلق بالهداية والإرشاد وسلوك الطريق الحق.
والله- سبحانه- أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ألم تر إلى الأرض وهي هامدة فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وتفاعلت مع البذور وربت وانتفخت وأنبتت من كل زوج بهيج، ذلك النبات الأخضر، اليانع الذي يخرج من تراب فيه ماء، فبدل العفونة التي تنشأ من وضع شيء غريب في الأرض المبتلة يخرج نبات بهجة للناظرين، إن في ذلك لآية لقوم يسمعون كلام الله ويتدبرون معناه.
نعم وإن لكم في الأنعام لعبرة وعظة، ودلالة على قدرة الله ووحدانيته وعظمته، وقال أبو بكر الوراق: العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم، وتمردك على ربك، وخلافك له في كل شيء، ومن أعظم العبر برىء يحمل مذنبا.
وإن لكم يا بنى آدم في الأنعام لعبرة وعظة حيث نسقيكم مما في بطونه لبنا خالصا من كل شيء يكدر صفوه سائغا للشاربين لذيذا وهنيئا، لا يغص به شاربه، فيه الغذاء الكامل الذي يكفى عن كل طعام وشراب، ويكفى أنه يغذى الطفل مدة من الزمن فلا يحتاج لغيره واللبن من بين الأطعمة قد أظهر النبي صلى الله عليه وسلم مكانته بقوله إذا أكل غيره ولو لحما
«اللهم بارك لنا فيه وزدنا خيرا منه، وإذا أكل اللبن قال: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه»
والطب الحديث يعرف مقدار اللبن ويفسر لنا كلام النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا عمليا.
هذا اللبن خرج من بين فرث ودم، يا سبحان الله! إنه من غذاء الحيوان، والغذاء تتحول عصارته إلى فرث، وإلى دم وإلى لبن بواسطة شعيرات دقيقة حول أنسجه الجهاز لهضمه يا سبحان الله!! أنت القدير الحكيم، ومن الذي علم هذا الرجل الأمى الذي نشأ في بيئة أمية جاهلة لم تعرف شيئا أبدا؟!! إنه الله الذي أنزل عليه القرآن كتابا أحكمت آياته.
ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا وخمرا، وتتخذون رزقا حسنا في مطعمكم ومأكلكم، فثمر النخيل والعنب وما شاكلهما يتخذ منه عصير الخمر، ومادة الأكل والرزق الحسن.
يقولون إن هذه أول آية نزلت في تحريم الخمر، وقد نزلت بمكة لأن السورة مكية، وتحريم الخمر في المدينة، وقد سأل بعضهم كيف تكون هذه أول آية في تحريم الخمر؟
ولأنها أول آية في تحريم الخمر التي امتدت جذورها وتأصلت عند العرب كانت الإشارة فيها للتحريم إشارة بعيدة الغور، حيث كانت ثمرات النخيل والعنب سكرا ورزقا حسنا فوصف الرزق منها بأنه حسن وترك السكر دليل على أنه ليس بحسن، وفي هذا إشارة إلى خلو ذلك من الخير والحسن، وفي الآيات التالية لتحريم الخمر أبان خطرها وضررها، والآية الكريمة التي معنا دلالة على قدرة الله وعظمته إن في ذلك لآية لقوم يعقلون.
وأوحى ربك إلى النحل، وجعل من غريزتها وطبعها ذلك. أوحى لها أن اتخذى من الجبال وكواها بيوتا، وكذلك من الشجر وجوفه، ومما يعرش ابن آدم، ويصنع لك ويهيأ من الخلايا على النظام القديم والحديث وقد أوحى الله لها وألهمها أن كلى من رحيق كل الثمرات، يا سبحان الله هذا الكون وحدة لا يتجزأ، ولا يمكن أن يكون نظامه مصادفة، بل لا بد له من إله مدبر عالم حكيم قوى قادر، هذه النحلة التي ألهمت تأكل من كل الثمرات، وتدخل في أكمام الأزهار تبحث عن الغذاء هي التي تنقل على أجنحتها تلقيح الأزهار من الذكر إلى الأنثى من حيث لا تشعر، ويظهر أن لكل كائن في الوجود رسالة يؤديها علم بها أو لم يعلم، أوحى لها أن كلى من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك مذللة طائعة.
يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه هو العسل.
يا سبحان الله!! لقد صدق من قال: ورق التوت: يأكله الدود فيخرج منه الحرير، ويأكله الظبى فيخرج منه المسك، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، ويأكله المعز فيخرج منه الروث.
هذا العسل فيه شفاء للناس، نعم فيه شفاء لكثير من الأدواء، ولقد حدثنا أستاذنا الدكتور محمد جعفر عن فوائده الطبية بما به عرفنا أن فيه شفاء لكثير من أمراض الناس.