الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاشَ لِلَّهِ كلمة تفيد معنى التنزه والبراءة فَاسْتَعْصَمَ فامتنع امتناعا بليغا من العصمة وهي المنع من الوقوع في المعصية الصَّاغِرِينَ المهانين أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أمل إليهن ثُمَّ بَدا لَهُمْ أى: ظهر لهم رأى جديد.
المعنى:
شاع في المدينة نبأ امرأة العزيز مع فتاها. وقد أصبح حديث المجالس خصوصا في مجالس كبار المدينة: فاجتمع عدد من النساء واتفقن على تدبير أمر يكون من ورائه اجتماعهن بيوسف هذا.
وقال عدد من نساء المدينة قليل يمكن اجتماعه على رأى، وتدبيره لأمر، امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وهذا كلام يفيد التعجب والإنكار من فعلها لأنها امرأة رجل كبير هو الوزير الأول وقد راودت هي بنفسها وطلبت، والمألوف أن المرأة تتمنع ويطلب منها ما لا تطلب هي، أليس من الغريب الذي يدعو إلى العجب أن تطلب امرأة من فتاها وخادمها، وتدوس كبريائها، والعجب العاجب أن تظل كما هي بعد أن افتضح أمرها وعلم به زوجها وعاملها معاملة فيها كثير من التنازل.
كل هذا تفيده العبارة القرآنية: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه: قد شغفها حبا، وأشرب قلبها حبه حتى ملك أمرها، واستبد بقلبها وعقلها وأضحت كالولهان، قالت النسوة: إنا لنراها في ضلال بيّن وجهل ظاهر يتنافى مع مكانتها وحالها.
فلما سمعت بمكرهن، ووصل إليها خبرهن، أرادت أن تمكر بهن مكرا يوقعهن في الشرك، ويجعلهن في صفها، وكان من أمرها أن أرسلت إليهن وأعدت لهن مكانا مهيئا فيه الأرائك مصفوفة، وجلسن متكئات عليها متقابلات وأعطت كل واحدة منهن سكينا تستعين به على قطع الطعام، وبينما هن في تناول الأطعمة، وكلّ تمسك بسكينها الحادة قالت: اخرج يا يوسف عليهن ويظهر أنه كان داخل حجرة متصلة بقاعة الطعام فلما رأينه أعظمنه ودهشن لذلك الجمال السحرى الفاتن وغبن عن شعورهن، وقطعن أيديهن. والمعنى كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، والمراد جرحتها، وقلن حاشا لله والمعنى تنزيها لله- تعالى- عن صفات العجز، والتعجب من قدرته على
خلق مثل هذا.. ما هذا بشرا إذ لم يعهد مثل هذا في البشر ما هو إلا ملك كريم من الملائكة تمثل في صورة بشر.
قالت وقد وصلت إلى ما تريد من إيقاعهن في شبكة جماله: إذا كان الأمر ما رأيتن بأعينكن، وما أكبرتن في أنفسكن، وما حصل منكن عند ما رأيتنه، وقد قلتم ما قلتم فذلكن الذي لمتنني فيه وكان الظاهر أن تقول: فهذا الذي لمتنني فيه ولكنها تريد فذلك يوسف البعيد في الكمال والجمال، بل هو أكبر من كل ذلك هو ملك روحانى في صورة بشر إنسانى.
وإذا كان هذا أمركن معه في لحظة فماذا أفعل وهو معى ليلا ونهارا؟ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وامتنع امتناعا بليغا مؤكدا، واستمسك بعروة عصمته التي ورثها عن أسلافه.
وتالله لئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن وليكونا من الصاغرين، يا عجبا أبعد هذا كله تظل المرأة على حالها وتلح بطلب الوصال بيوسف!! لم تكتف بالإشارة مع يوسف حتى صرحت له وطلبت علنا وقالت (هيت لك)، ولم تقنع بالطلب بينها وبينه حتى عادت فطلبت علانية بحضور النسوة أترابها إن هذا لعجيب!! قال يوسف: يا رب. السجن أحب إلى مما يدعونني جميعا إليه فتلك بيئة ملوثة لا أحب المكث فيها أبدا، وإن لي في السجن لراحة بال وهدوء نفس، وهكذا لا يستريح الطيب في البيئة الفاسدة، وهذه إشارة إلى أثر البيئة، وإلا تصرف عنى يا رب كيدهن أصب إليهن وأمل، وأكن من عداد الجاهلين الذين يعملون السوء بجهالة، فاستجاب له ربه وصرف عنه كيدهن، وعصمه إنه هو السميع المجيب لدعاء المظلومين، عليم بصدق الإيمان وكمال الإخلاص.
ولكن ماذا يفعل العزيز وقد شاع الخبر أولا وأخيرا؟ لا بد أن يلجأ إلى أمر شاذ فاستشار وأشير عليه أن يزج يوسف في السجن حتى يرى كأنه المعتدى وامرأته شريفة هذا عند العامة، أما الخاصة فتعرف كل شيء وقد سهل الله هذا لأن السجن فيه مصلحة ليوسف.