الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
جريمة الزنا إحدى الموبقات بل هي أشدها بعد الشرك بالله، ولا تحصل إلا من زان أو مشرك، وكان الواجب ألا تكون من مؤمن ولا مسلم، وهي من الخطورة بمكان. بحيث كانت أول حكم في تلك السورة، وما بعدها من أحكام فوقاية منها، وشرعت من أجلها، وانظر يا أخى إلى حده المخزى الزاجر، ثم إلى النهى عن الرأفة بالزاني والزانية وإن كان من يقيم الحد يؤمن بالله واليوم الآخر، فالغلظة معهما من مقتضيات الإيمان، ثم اشترط التشهير بهما والفضيحة لهما بشهود طائفة من الناس لعذابهما، وما بالك؟ بأن النهى كان عن القرب منه لا عن فعله فقط كغيره من المنكرات، وقد قرنه الله بالشرك وقتل النفس وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً [سورة الفرقان الآيتان 68 و 69] .
ثم انظر إلى ما رتب من أحكام على مجرد الاتهام به، وأنه لا يثبت إلا بالإقرار أو الشهادة من أربع شهود عدول.
مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني، فإن كان بكرا ببكر فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة على جسمه ما عدا الوجه والفرج.
وهذه عقوبة الزنا في الدنيا، وفي الآخرة أشد وأبقى. وهذا هو حكم الزنا مع غير الإحصان، أما المحصن وهو من سبق له زواج شرعي إن زنى فحكمه الرجم بالحجارة، وقيل البكر يجلد مائة ويغرب عاما، والمحصن يجلد ثم يرجم.
وكأن الزاني والزانية خرجا عن حدود الإنسانية إلى حد البهائم التي لا تردع إلا بالضرب والألم، أما الموعظة الحسنة فلم تعد تؤثر فيه.
ولا شك أن عقوبة الزنا كبيرة وشاقة، ولكنا نهينا عن أن تؤثر فينا الرأفة بهما وتقودنا إلى العطف عليهما في تنفيذ حد الله.
وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ من باب الإلهاب، واستنهاض الهمم، وشحذ العزيمة حيث علق تنفيذ العقوبة وعدم الرأفة بهما على الإيمان بالله واليوم الآخر كما نقول: إن كنت رجلا فافعل هذا.
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، وهذا إيلام لنفسيهما بعد إيلام جسميهما وهو معنى التشهير والفضيحة فجعل ضربهما أمام جماعة من الناس ليكون الخزي والعار أبلغ وأكمل، وفي هذا شهادة عامة من الناس جميعا بأن هؤلاء قد تجردوا من الإنسانية ومعانيها السامية، فلا حق لهما في إعادة الاعتبار، ودعوى الافتخار.
وانظر إلى التنفير من تلك الفعلة الشنيعة بقوله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وهذه الآية من المشكلات في القرآن التي تحتاج إلى تؤدة وتأن حتى يمكن فهمها وفي أسباب نزولها روايات. المعقول منها روايتان:
الأولى: أن كثيرا من المهاجرين في المدينة قد أجهدهم الفقر، وأضرّ بهم الاحتياج حيث تركوا أموالهم وديارهم في سبيل الله، وقد رأوا في المدينة البغايا المعلنات عن أنفسهن، وقد كثر عندهن المال والخير فحدثتهم أنفسهم لو تزوجوا من هؤلاء فيكن عونا لهم على الإقامة بالمدينة- فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك على عادتهم في كل صغيرة وكبيرة فنزلت الآية ليمتنعوا عن ذلك فامتنعوا.
وروى جماعة كأبى داود والترمذي والبيهقي أن صحابيا يقال له مرثد، ذهب إلى مكة مستخفيا ليحمل أسيرا فرأته امرأة اسمها عناق- وكانت بغيا وكان له بها صلة قبل إسلامه- وطلبت منه أن يبيت عندها وتسهل له مأموريته فقال لها مرثد: يا عناق إن الله حرم هذا فصاحت المرأة به وأخبرت قريشا بوجوده، ولكنه بلباقته تمكن من الحصول على طلبته ونقل الأسير إلى المدينة ثم يروى مرثد عن نفسه قائلا: فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: أأنكح عناق؟ فأمسك ولم يرد على شيئا حتى نزلت هذه الآية فقال النبي: «يا مرثد! الزّاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة والزّانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين» فلا تنكحها.
واعلم يا أخى أن هناك حقائق شرعية سلّم بها من الجميع. وهي أن المسلم ولو كان زانيا لا ينكح مشركة، وكذا المسلمة، وأن المسلم الزاني يحل له نكاح العفيفة، والزانية يحل لها نكاح العفيف.
وعلى هذا الأساس فالمعنى الظاهر من الآية- وهو أن الزاني لا يحل له أن ينكح إلا امرأة زانية أو مشركة، وأن الزانية لا يحل لها إلا نكاح الزاني أو المشرك- مخالف
لما أجمع عليه المسلمون، ولما سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أجمعون، وهذا يدلنا على أن هذا الحكم المفهوم من الآيات منسوخ، وبهذا قال بعض العلماء.
وخلاصة هذا الرأى. أن الآية واردة لتحريم نكاح الزواني والزناة إلا من بعضهم لبعض أو من بعضهم للمشركين، وأن ذلك نسخ بقوله تعالى وَأَنْكِحُوا الْأَيامى والزانية لم تخرج عن كونها من أيامى المسلمين بالإجماع، ونسخ جواز نكاح المشركين والمشركات ولو زناة المسلمين بقوله تعالى وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [سورة البقرة آية 221] .
وعلى هذا فأحل النكاح بين الزناة والعفائف، وبين الزاني والأعفاء، وحرم النكاح بين المسلمين- ولو زناة- وبين المشركين.
ولكن النسخ غير مسلم به عند كل العلماء فمن يمنعه قال. إن الآية مسوقة للتنفير من نكاح المسلم العفيف للزانية، وتنفير المسلمة العفيفة من نكاح الزاني، ولو جاء لكل واحد منهما خير كثير. وتكون الآية مطابقة لأسباب النزول، وهي مسوقة لتنفير المسلمين الضعفاء الذين حدثتهم أنفسهم بالتزوج من البغايا رجاء المال وطمعا في الرخاء الذي يعينهم على ما هم فيه من جهد، وعلى تحقيق ما ألقى على عاتقهم من مسئوليات (كمرثد) .
فلما استأذنوا رسول الله في ذلك، نزلت الآية ليبتعد المسلمون عن بيئة الزنى فإنه مدعاة للخروج عن حدود الدين، وينزل بالمسلم إلى درجة قد تؤثر عليه فإن رؤية المنكرات، تميت في المسلم الحمية الدينية والعصبية الإسلامية كما هو موجود عند كثير من المسلمين الذين خالطوا اللادينيين.
وهذا بلا شك مما لا يليق بالمؤمن، وإنما هو من سمات الزناة فهم الذين يميلون أو يقبلون نكاح الزواني أو من هن أفحش كالمشركات وكذلك الزانية هي التي تقبل أو يليق بها أن تميل إلى الزاني ومن هو شر منه كالمشرك، وعلى ذلك فالآية مسوقة للتنفير، وبيان ذلك أن هذا لا يليق بالمؤمن المحافظ على دينه ومما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى الآتي: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ [سورة النور آية 26] .