الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
واذكر يا محمد في الكتاب المنزل عليك إبراهيم الخليل، واتل عليهم نبأه وقت أن جادل أباه آزر، وقال له. يا أبت لم تعبد حجرا لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغنى عنك شيئا من الغناء؟!! وانظر إلى أبينا الخليل إبراهيم وهو يخاطب أباه متلطفا بقوله: يا أبت!! ويستفهم منه عن السر في تلك العبادة فإن المعبود لو كان حيا يسمع ويبصر وينفع ويضر في شيء، وهو مع ذلك مخلوق لكانت عبادته دليلا على قصر العقل وسوء الرأى وفساد الطبع.. ولو كان من أشرف الخلق كالأنبياء والملائكة وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وذلك أن العبادة غاية في التعظيم، ومنتهى التقديس ولا يكون ذلك لمخلوق أبدا أيا كان وضعه. فما بالك لو كان المعبود حجرا لا يسمع عبادتك، ولا يبصر قربانك، ولا يغنى عنك شيئا من الغناء؟! وفي الاستفهام عن السبب لفت للنظر عميق يبعث على الشك والبحث.
يا أبت إنى قد جاءني من العلم شيء لم يأتك فاتبعنى أهدك الصراط المستقيم، والسبيل الحق، وانظر إلى الخليل- صلوات الله عليه- لم يصف أباه بالجهل، ولا نفسه بالعلم الكامل فإن ذلك ينفر الناس، ويمنع الجليس من الائتناس، بل قال إنى أعطيت شيئا من العلم قليلا، ولم تعطه، ولا ضير عليك في شيء إن اتبعت ابنك حتى يهديك إلى الصراط المستقيم، يا أبت هب أننا سائران في الطريق وأنا على علم به أفلا يكون من الخير أن تتبعني حتى تصل إلى بر السلامة، وأنت أبى على كل حال وأنا ابنك البار.. وهذا جذب لأبيه ليصل إلى الحق بطرق سديدة، يشككه في اعتقاده ثم يلمح له بأن الخير في اتباعه وترك ما هو عليه.
وانظر إلى أبى الأنبياء وهو يقول لأبيه: يا أبت لا تعبد الشيطان، إن الشيطان كان للرحمن كثير العصيان.
آزر أبو إبراهيم كان يعبد الأصنام، وما كان يعبد الشيطان، إلا أن عبادتها لا يمكن أن تصدر عن عقل أو عاطفة أو غريزة، ولكنها تنشأ عن وسوسة الشيطان وإغوائه فكانت عبادتها عبادة له، وطاعة لإغوائه! والشيطان هو ما تعرفون، عدو أبيكم آدم،
وعدوكم يا بنى آدم جميعا، لا يريد لكم إلا كل شر، ولا يزين لكم إلا كل إثم وبهتان وهو قد عصى ربكم في السجود لآدم، وعصاه في كل ما أمره به، أمن الخير أن يطاع هذا الشيطان، ويسمع لإغوائه في عبادة الأصنام، وترك عبادة الرحمن؟! وها هو ذا إبراهيم- عليه السلام يحذر أباه سوء العاقبة، وينذره بالشر الوبيل فيقول: يا أبت إنى أخاف أن يصيبك عذاب من الرحمن ربك وخالقك فتكون بذلك للشيطان قرينا في النار، وتكون بهذا وليا له وناصرا.
وفي ذكر الخوف من العذاب والمس له دون الإصابة به، وتنكير العذاب المفيد للتقليل أدب جم، وتلطف كريم ليس غريبا على إبراهيم خليل الرحمن.
أما إجابة الكافر الغليظ القلب الجاف فكانت على صورة بشعة حيث قال: أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن تعرضك للآلهة لأرجمنك وأشتمنك فاحذرنى واهجرني زمنا طويلا، وابتعد عنى وأنت سالم البدن والعرض.
انظر إلى آزر، وقد قابل استعطاف إبراهيم- عليه السلام وتلطفه في إرشاده بالفظاظة حيث ناداه باسمه بدل قوله: يا بنى وبدأ الكلام بقوله: أراغب، للإشارة إلى أن الرغبة عن الآلهة أمر يهمه أكثر من غيره.
وصدره بهمزة الاستفهام المفيدة للإنكار والتعجب وجعلها مسلطة على الرغبة للإشارة إلى أن نفس الرغبة مما ينبغي أن تكون، وأن الآلهة ما ينبغي أن يرغب عنها عاقل، ثم بعد هذا هدده بالرجم باللسان أو بالحجارة إن لم يكف عن التعرض لذكر الآلهة بالسوء.
قال إبراهيم إزاء ذلك: مقالة المؤمن الكامل سلام عليك سلام توديع وترك لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [سورة القصص الآية 55] ومع هذا كله فأنت أبى سأستغفر لك ربي، وأدعو لك بالهداية والتوفيق، إنه كان بي حفيا بارا لطيفا، وهو لن يضيعني في سفري، ولن ينساني أبدا، وقد كان كذلك.
استغفار إبراهيم لأبيه: الثابت أن إبراهيم- عليه السلام استغفر لأبيه مدة طويلة قيل حتى مات وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ [سورة الشعراء آية 86] ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ [سورة إبراهيم آية 41] .