الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
الْكَهْفِ الغار الواسع في الجبل. الرَّقِيمِ هو اسم كلبهم، وقيل: هو اسم الوادي. فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ المراد أنمناهم نوما ثقيلا بحيث لا يسمعون.
أَمَداً أى: غاية. نَبَأَهُمْ خبرهم صاحب الشأن والخطر. شَطَطاً القول الشطط: هو الخارج عن حد المعقول المفرط في الظلم. مِرفَقاً المرفق ما يرفق به وينتفع. تَتَزاوَرُ أصله تتزاور أى: تتمايل مأخوذ من الزور أى: الميل وشهادة الزور فيها ميل عن الحق. تَقْرِضُهُمْ أى: تقطعهم ولا تقربهم ومنها القطيعة. فَجْوَةٍ مِنْهُ أى: متسع من الكهف. بِالْوَصِيدِ بالفناء وهو موضع الباب من الكهف. بِوَرِقِكُمْ الورق الفضة مضروبة للنقد أو غير مضروبة أى:
معدة للنقد أو غير معدة. فَلا تُمارِ فِيهِمْ أى لا تجادل أهل الكتاب في شأنهم.
المعنى:
سأل القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف متعجبين ممتحنين، وسألوه عن الروح، وعن ذي القرنين، فقال الله مجيبا عن أصحاب الكهف.
أحسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا آية عجبا من بين آياتنا؟! لا تظن ذلك، فآياتنا كلها عجيبة وغريبة، فإن من يقدر على جعل كل ما على الأرض زينة لهم ينتفعون به ثم يجعله ترابا بين عشية أو ضحاها كأن لم تغن بالأمس قادر على كل شيء كالبعث وغيره فلا تستبعد أن يحفظ بقدرته طائفة من الناس زمانا معلوما، وإن كانت قصتهم خارقة للعادة، فإن آيات الله- سبحانه- دائما كذلك.
واذكر وقت أن صار الفتية إلى الكهف وجعله مأوى لهم، فقالوا متجهين إلى الله وحده: ربنا آتنا من عندك رحمة واسعة، وانشر علينا من ظلال فضلك ما تغمرنا، وهيئ لنا من أمرنا الذي فارقنا عليه الكفار ما به تكون المصلحة لنا ونكون راشدين غير ضالين.
وهكذا حال المؤمنين الموفقين حينما تشتد عليهم الأمور وتتحزب يكون الله هو الملجأ الوحيد يطلبون منه العون والمدد، ويسألونه الهدى والرشد.
وقد شملهم ربك بالعطف فضرب على آذانهم في الكهف سنين معدودة، والمعنى:
أنامهم نوما ثقيلا حتى كأنهم وراء حجاب مضروب لا يسمع منه صوت.
ثم بعثهم ربك، وأيقظهم من النوم ليظهر معلومه- سبحانه- عن أى الحزبين أحصى للبثهم أمدا وغاية، وقد جعل علمه أى الحزبين أحصى؟ غاية وعلة للبحث إذ سيظهر عجزهم، ويفضون أمرهم، ويحاولون أن يتعرفوا حالهم فيزدادوا يقينا على يقينهم، وهذا لطف بالمؤمنين في زمانهم، وآية بينة للكافرين.
وهذه خلاصة للقصة بالإجمال وهاك التفصيل.
نحن نقص عليك خبرهم المهم ذا الشأن والخطر، أما حواشى الأخبار وتوافهها فلا يتجه لها القرآن، نقصه قصصا متلبسا بالحق لا زور فيه ولا بهتان ومن أصدق من الله حديثا؟
إنهم فتية آمنوا بربهم إيمانا صادقا خاليا من ضروب الشرك وآثامه، وزادهم هدى، وربط على قلوبهم، وقواها حتى لم يعد فيها مكان للشك والنفاق إذ قاموا مجاهرين قائلين، ربنا رب السموات والأرض وما فيهن، لن نعبد من دونه إلها إننا إن عبدنا غيره، وقلنا به لقد قلنا قولا ذا شطط، متجاوزين حدود العقل والدين: هؤلاء قومنا البعيدون في درجات الجهل والحماقة اتخذوا آلهة متجاوزين بها الله فاطر السموات والأرض من غير علم ولا دليل.
هلا يأتون على ألوهيتهم بسلطان بين، وحجة ظاهرة! لا حجة لهم أبدا ولكنه الشرك والتقليد الأعمى.
فلا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا وزورا باتخاذ الشركاء والآلهة.
وإذ اعتزلتموهم يا أهل الكهف، وفارقتموهم في الاعتقاد، واعتزلتم عبادتهم وما عبدتم إلا الله الواحد القهار فأووا إلى الكهف، لتعتزلوهم جسميا بعد فراقهم روحيا، إن تأووا إليه ينشر لكم ربكم من رحمته في الدارين، ويهيئ لكم ويصلح من أمركم الذي أنتم بصدده من الفرار بالدين مرفقا ترتفقون به، وتنتفعون.
هذا حالهم قبل دخولهم في الكهف. أما بعد الدخول فيه فيقول الله:
وترى يا محمد أو كل واحد يصلح للخطاب الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم وليس المراد الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقا بل الإخبار بكون الكهف في مكان بحيث لو رأيته ترى الشمس إذا طلعت تتزاور وتنتحى مائلة عن كهفهم جهة اليمين، وإذا غربت تراها عند الغروب تقرضهم وتبتعد عنهم متجهة جهة الشمال، وهم في فجوة ومتسع من الكهف معرض لإصابته من الشمس، لولا أن صرفتها عنهم القدرة، ذلك من آيات الله العجيبة الدالة على كمال العلم والقدرة.
ومن يهديه الله إلى الخير فهو المهتدى حقا الموافق إلى الصالح في الدنيا والآخرة، كأمثال الفتية أصحاب الكهف، ومن يضلل ويسلك سبل الشر فلن تجد له وليا مرشدا يهديه إلى الخير وطرق الصلاح في الدنيا والآخرة كأمثال الكفرة المنكرين للبعث..
وهؤلاء الفتية كنت تراهم في الكهف فتحسبهم أيقاظا لم يبل منهم جسد، ولم تظهر لهم رائحة كريهة كأنهم أحياء نائمون في القيلولة، ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وكلبهم الذي كان معهم باسط ذراعيه بموضع الباب من الكهف، لو اطلعت عليهم وهم بهذا الوضع لوليت منهم وهربت من منظرهم هروبا ولملئت منهم رعبا وفزعا.
وكما أنمناهم وحفظنا أجسادهم من البلى- وكان ذلك آية على قدرتنا- بعثناهم من نومهم ليسأل بعضهم بعضا فترتب عليه ظهور الحكم الجليلة التي من أجلها أنامهم الله هذه المدة، ولهذا جعل التساؤل علة للبعث.
قال قائل منهم: كم لبثتم في نومكم؟ قال بعضهم. لبثنا يوما أو بعض يوم، قيل إنهم دخلوا الكهف من الصباح واستيقظوا في آخر النهار ولذا قالوا: يوما فلما رأوا الشمس لم تغب قالوا: أو بعض يوم. وقال بعض منهم لما رأوا حالتهم العامة متغيرة:
ربكم أعلم بما مكثتم! ولكن امضوا إلى المهم فابعثوا أحدكم بقطعة من الفضة إلى المدينة ليحضر طعاما لنا، وإذا كان كذلك فلينظر أى أهلها أزكى طعاما وأحسن سعرا فليأتنا بشيء نقتات به، وليتلطف في الطلب حتى لا يغبن، ولا يشعرن بكم أحد من المدينة فإنهم إن اطلعوا عليكم يقتلوكم شر قتلة بالرجم أو يعيدوكم في ملتهم وطريقهم الجائر، ولن تفلحوا إذا دخلتم معهم أبدا.
وكما أنمناهم في الغار، وبعثناهم أعثرنا وأطلعنا الناس عليهم ليعلموا أن وعد الله حق، وسمى الإعلام إعثارا لأن من كان غافلا عن الشيء فعثر به نظر إليه وعرفه فكان الإعثار سببا في العلم، وفي الإعثار ما يفيد.
وكذلك أطلعنا الناس عليهم ليعلموا أن وعد الله بالبعث حق. فقد كان هناك من ينكر البعث فأراهم الله هذه الآية تثبيتا للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وليعلموا أن الساعة لا ريب فيها فإن من شاهد حال أهل الكهف علم صحة ما وعد الله به من البعث.
أطلعناهم عليهم وقت أن كانوا يتنازعون أمرهم فيما بينهم بين مثبت للبعث ومؤمن به، وبين منكر له وكافر به.
ولما اطلعوا عليهم، وظهر أمرهم وعرف الناس أن في قدرة الله أن يحيى الخلق بعد موتهم أماتهم الله فقال بعضهم: ابنوا عليهم بنيانا يمنع الناس عنهم، ربهم أعلم بشأنهم.
وقال الذين غلبوا على أمرهم من المؤمنين لنتخذن عليهم مسجدا للصلاة، والذين غلبوا على أمرهم قيل هم المسلمون، أو هم الملك وأعوانه الله أعلم.
وقد اختلف المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم في عددهم. فسيقولون هم ثلاثة رابعهم كلبهم ويقول جماعة أخرى: هم خمسة سادسهم كلبهم، وهم في هذا يقذفون بالغيب على غير هدى ظنا منهم. لا يقين معه.
ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، قل يا محمد لهم، ربي أعلم بعددهم ما يعلمه إلا قليل وأكثرهم علم أهل الكتاب على ظن وتخمين.
وفي الكشاف: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة (سبعة وثامنهم كلبهم) ولم دخلت عليهم دون الجملتين الأوليين؟ والجواب هي الواو التي تدخل لتأكيد اتصال ما بعدها بما قبلها وللدلالة على أن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات وعلم وطمأنينة لم يرجموا بالظن كما فعل غيرهم.
وأصحاب هذا الرأى مؤمنون قالوه مستندين إلى الوحى بدليل عدم سبكه في سلك الرجم بالغيب وتغير النظم بزيادة الواو.
إذا قد عرفت جهل أصحاب الرأيين الأوليين فلا تمار فيهم ولا تجادلهم إلا جدالا ظاهرا لا عمق فيه، ولا تستفت في شأنهم أحدا منهم.
ولا تقولن لأجل شيء تعزم على فعله إنى فاعله غدا، لا تقولن ذلك في حال من