الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ أى: أمرناه، فكلمة وصى في اللغة كأمر في معناها وتصرفها حُسْناً أى: بأن يفعل معهم حسنا، أى: فعلا ذا حسن، أو هو نفس الحسن مبالغة فِتْنَةَ النَّاسِ أى أذاهم واستعمال القوة والعنف في الرد عن الإسلام أَثْقالَهُمْ أوزارهم.
لا يزال الكلام في فتنة المسلمين وردهم بالقوة عن الإسلام، والذين فتنوهم المستضعفون، ومن فتنهم هم الكفار الأقوياء أصحاب الجاه والسلطان، ومن كان يملك رقابهم، وهناك صنف آخر من المعذبين الذين فتنوا هم الأبناء والأقارب والذين فتنهم آباؤهم وأقاربهم مستخدمين سلاح العطف وصلة الرحم، ولذا نبه الله هنا على ذلك، ونزلت تلك الآية وآية لقمان وآية الأحقاف في سعد بن أبى وقاص.
وروى عن سعد قال: كنت بارا بأمى فأسلمت فقالت: لتدعن دينك أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ويقال لك: يا قاتل أمك، وبقيت يوما ويوما فقلت يا أماه! لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلى، فلما رأت ذلك أكلت، ونزلت الآية.
المعنى:
ووصينا الإنسان بوالديه أن يفعل معهما فعلا حسنا، وقلنا له: إن جاهداك لتشرك بالله ما ليس لك به علم، أى: ما لا علم لك بألوهيته كالأصنام، والمراد بنفي العلم المعلوم كأنه قال: وإن جاهداك وحملاك بالفتنة والإغراء على أن تشرك بالله شيئا لا
يصح أن يكون إلها، ولا يستقيم بحال، فلا تطعهما في ذلك أبدا مع الإحسان إليهما ومداراتهما وترضيهما كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعدا أن يفعل مع أمه «وقد ثبت ذلك في بعض الروايات» .
وصى الله الإنسان بوالديه وأمره بالإحسان إليهما، ثم نبهه إلى عدم طاعتهما، إذا أراداه على الشرك، إذ كل حق وإن عظم ساقط إذا جاء حق الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثم قال: إلىّ مرجعكم، نعم إلى الله وحده ترجع الأمور وسيجازى كلا على ما عمل فلا يحدثن أحد من الناس نفسه بجفوة والديه إذا أشركا، ولا يحرمهما من بره وعطفه في الدنيا إذا عصيا، وإياه ومتابعتهما على الشرك بل اثبت في دينك، واستقم كما أمرت فالله معك، وسيجازيك على هذا كله، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات، وصبروا على المكروه والأذى في سبيل الله فأولئك يدخلون الجنة مع الصالحين والأنبياء والمرسلين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
يا أخى لا تظن أن مرتبة الصلاح هينة فلله در الإمام الشافعى حيث يقول: «أحبّ الصّالحين ولست منهم» . وهذا النبي سليمان بن داود يدعو ربه أن يدخله مع الصالحين وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ «1» . وفي إبراهيم يقول الله وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «2» .
هذا هو حال المؤمنين الذين فتنوا واختبروا في دينهم كبلال وصهيب وآل ياسر كلهم: وهذا سعد بن أبى وقاص يبتلى بأمه وكانت أحب الناس إليه، وهذا حال من فتن من صناديد قريش وزعماء الكفار.
ولكن أليس في المجتمع المسلم منافقون ضعاف الإيمان إذا فتنوا رجعوا عن دين الله؟.
نعم فيه ذلك، إذ لا يخلو منهم زمان ولا مكان، والمحن هي محك الاختبار، وفيها الامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب.
وها هم أولاء يقولون آمنا بالله فإذا أوذوا في سبيل الله، وافتتنوا في دينهم، ومحصوا بالابتلاء الواقع، وانكشفت الستائر، وجعلوا فتنة الناس تمنع من الثبات في دينه كما يمنع عذاب الله من الكفار، وإذا نصر الله المسلمين ليقولن: إنا كنا معكم، وكنا ثابتين على دينكم فأعطونا من الغنائم! أو ليس الله بأعلم بما في الصدور؟! وهو يعلم السر
(1) سورة النمل الآية 19. [.....]
(2)
سورة البقرة الآية 130.
وأخفى، وليعلمن الله الذين آمنوا بقلوبهم وألسنتهم، وليعلمن المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، الثابتين على النفاق الدائمين على المكر والخداع، وسيجازيهم على ذلك كله إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ «1» .
وانظر إلى مدى فتنة الكفار، وإغراء المسلمين على ترك دينهم!!! وصحائف التاريخ مملوءة بأخبار المعذبين من الصحابة، وأخبار العتاة المجرمين من زعماء الكفر، وليتهم وقفوا عند حد الإغراء بالعذاب والتنكيل بالإيذاء البدني بل لما رأوا أنهم لم يفلحوا في ذلك، وثبت المسلمون، أو فروا بدينهم إلى الحبشة، ثم إلى المدينة.
ولما رأوا أن فتنتهم المادية لم تؤت ثمرها أخذوا يفتنونهم بالحيلة والإغراء بكافة الطرق.
انظر إليهم وهم يقولون.
وقال الذين كفروا للذين آمنوا: اتبعوا سبيلنا، وارجعوا إلى ديننا، ونحن نتحمل عنكم خطاياكم إن كان هناك حساب أو جزاء.
ولقد ثبت أن صناديد قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم لا نبعث ولا أنتم، فإن كان ذلك فإننا نتحمل عنكم الإثم، وما هم بحاملين من ذنوبهم وآثامهم شيئا، إذ كل امرئ بما كسب رهين إن هؤلاء الزعماء لكاذبون في هذا القول، وليحملن أثقال أنفسهم وأوزارها، وأثقالا أخر غير الخطايا التي ضمنوا حملها للمؤمنين، وهي أثقال وأوزار الذين كانوا سببا في ضلالهم
«من سنّ في الإسلام سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا» حديث شريف.
وقال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ «2» .
وليسألن يوم القيامة سؤال تقريع وتوبيخ عما كانوا يفترون ويختلقون من أكاذيب وأباطيل.
(1) سورة النساء الآية 145.
(2)
سورة النحل الآية 25.