الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجاب عن ذلك:
بأن مثل هذا القول قد يقال حتى في حال خوف التلف، فيقال: فرض الوضوء متيقن، وخوف التلف مشكوك فيه، ولا يترك اليقين للشك.
الراجح من الخلاف
.
الذي أميل إليه هو ما اختاره ابن حزم، وأن المريض إذا كان يلحقه مشقة وحرج باستعمال الماء فإنه يشرع له التيمم ولو لم يترتب على استعمال الماء زيادة في مرضه أو في طول مدته، كما يقال للمريض الصائم إذا كان يشق عليه الصيام فله الفطر، ولا فرق، وهذا هو ما يحقق المقصود الشرعي من مشروعية التيمم، وهو نفي الحرج {ما يريد الله ليجعل عليكم من
حرج}
(1)
.
والمشاق في العبادة على قسمين:
الأول: مشقة لا تنفك عن العبادة، كالوضوء والغسل في البرد، والصوم في نهار الصيف، والمخاطرة بالنفس بالجهاد، فمثل هذا لا يوجب تخفيفاً في العبادة؛ لأنها قررت معه.
الثاني: تنفك عن العبادة، وهي ثلاثة أنواع:
الأول: نوع في المرتبة العليا، كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع، فهذا يوجب التخفيف؛ لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة، فلو حصلنا هذه العبادة طلباً لثوابها لذهب أمثالها.
ونوع في المرتبة الدنيا: كأذى وجع في أصبع، فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة، لشرف العبادة وخسة هذه المشقة.
(1)
المائدة: 6.
النوع الثالث: مشقة بين هذين النوعين، فما قرب من العليا أوجب التخفيف، وما قرب من الدنيا لم يوجب، وما توسط يختلف فيه لتجاذب الطرفين له
(1)
، فإذا وجدت مشقة في تحصيل القيام في الصلاة، وكان إدراك القيام سبباً في التأثير على الخشوع سقط القيام، وإن كان يمكنه أن يفعل، ولكن مع المشقة العظيمة، وإذا كان يشق على المريض الصيام بسبب المرض، ويجد من ذلك حرجاً ومشقة أبيح له الفطر، ولو كان يمكنه أن يقوم بالصيام ولكن مع المشقة الكبيرة، وهكذا نقول في التيمم، إذا كان يلحقه باستعمال الماء مشقة كبيرة، أبيح له التيمم بصرف النظر هل التيمم يزيد في مرضه أو يؤخر في برئه، والله أعلم.
فإن قيل: ما ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها؟
ذكر القرافي في الذخيرة ما معناه: إذا سألنا الفقهاء عن ذلك، قالوا: يرجع إلى العرف، فيحيلون على غيرهم، ويقولون: لا نحد ذلك، فلم يبق بعد الفقهاء إلا العوام، والعوام لا يصح تقليدهم في الدين.
جوابه: هذا السؤال له وقع عند المحققين، وإن كان سهلاً في بادي الرأي، ونحن نقول: ما لم يرد الشرع بتحديده يتعين تقريبه بقواعد الشرع؛ لأن التقريب خير من التعطيل لما اعتبره الشرع، فنقول: على الفقيه أن يفحص عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال، ثم ما ورد عليه بعد ذلك من المشاق مثل تلك المشقة أو أعلى، جعله مسقطاً، وإن كان أدنى لم يجعله، مثاله: التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بحديث كعب
(1)
الذخيرة للقرافي (1/ 340).
ابن عجرة، فأي مرض آذى مثله أو أعلى منه أباح، وإلا فلا، والسفر مبيح للفطر بالنص، فيعتبر به غيره من المشاق، والعبادات مشتملة على مصالح المعاد، فلا يليق تفويتها بمسمى المشقة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجرك على قدر نصبك، فيحرص العبد على العبادة مع المشقة المحتملة، وإذا كانت المشقة كبيرة غير محتملة إلا بجهد ونصب؛ فإنه حينئذ له أن يترخص برخص الله سبحانه وتعالى، وإذا ترك العمل لعذر كتب له ما كان يعمل صحيحاً كما جاء في الحديث الصحيح، والله أعلم.