الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبب الخلاف اختلافهم في طهارة التيمم، هل هي طهارة ضرورة، والحدث فيها لا يرتفع، وإنما يستباح بها فعل المأمور، أو أنها طهارة بدل، تأخذ حكم المبدل من كل وجه إلى حين وجود الماء، فمن رأى أنه طهارة ضرورة، قال: لا يجوز التيمم إلا بعد دخول وقت الصلاة، ومن رأى أنها تقوم مقام الماء عند عدمه أو عند العجز عن استعماله، قال: بجواز أن يتيمم قبل الوقت، وأن يصلي بتيممه هذا فروضاً ونوافل إلى حين وجود الماء أو قيام حدث ناقض لهذه الطهارة.
دليل من قال: لا يتيمم قبل دخول وقت العبادة:
الدليل الأول:
قالوا: من القرآن قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} إلى قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا}
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن القائم إلى الصلاة أمر بالوضوء، فإن لم يجده تيمم، وهذا يقتضي أن لا يفعله إلا بعد قيامه إليها، وعدم الماء، والوضوء إنما جاز قبل الوقت؛ لوجود دليل خاص على جواز وقوعه قبل الوقت، فبقي التيمم على المنع، ولكون الوضوء رافعاً للحدث، بخلاف التيمم، فإنه طهارة ضرورة كطهارة المستحاضة
(2)
.
ويجاب عن هذا:
إذا كنا أمرنا بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، ولم يمنع ذلك من جواز تقدم الوضوء على الوقت، لم يمنع هذا أيضاً من صحة التيمم قبل الوقت،
(1)
المائدة: 6.
(2)
انظر المبدع (1/ 206).
وهذا مقتضى القياس الصحيح.
ولا يمكن لكم أن تخرجوا من هذا القياس الصحيح بقولكم إن الوضوء يرفع الحدث بخلاف التيمم؛ لأننا لا نسلم أن التيمم ليس رافعاً للحدث، وقد تم مناقشة هذه المسألة في مسألة مستقلة، وتبين لنا بدليل الكتاب والسنة أن التيمم جعله الله مطهراً لهذه الأمة كما في قوله تعالى:{ولكن يريد ليطهركم}
وقوله صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"
(1)
.
وقوله أيضاً: الصعيد الطيب طهور المسلم
(2)
، وهذه الأحاديث صحيحة، سبق تخريجها في أول البحث، وكلها نص في موضع النزاع، وأن التيمم طهور المسلم، والطهور: هو ما يطهر غيره، ولو كان المراد طاهراً لم يكن فيه خصوصية، فإن التراب طاهر لنا ولغيرنا من الأمم، وإنما اختصت هذه الأمة بكون التيمم مطهر.
كما أن القياس على طهارة المستحاضة، وأن طهارتها يشترط لها دخول الوقت، فهذه مسألة فيها نزاع أيضاً، ولا يوجد حديث صحيح يأمر المستحاضة بأنها لا تتوضأ إلا بعد دخول الوقت، ولا بأمرها بالوضوء لكل صلاة، وإنما صح هذا من قول عروة رضي الله عنه موقوفاً عليه، فالمستحاضة ومن به سلس بول إذا توضأ فهو على طهارته، يصلي به ما شاء من الفروض والنوافل، خرج الوقت أو لم يخرج، والحدث الدائم لا يؤثر في طهارته شيئاً؛ لأنه مغلوب عليه، فوجوده كعدمه، وهذا مذهب المالكية، وسبق بحث هذه المسألة في باب نواقض الوضوء، وإذا بطل المقيس عليه بطل المقيس.
(1)
صحيح البخاري (335)، ومسلم (521).
(2)
سبق تخريجه في كتابي أحكام الطهارة: كتاب المياه، رقم:(39).