الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخريجها والتيمم إلى الآباط، قول لا يعرف إلا لابن شهاب رحمه الله تعالى
(1)
.
فلم يبق من روايات حديث عمار إلا ما ورد في الصحيحين، وأن التيمم للكفين فقط، والله أعلم.
دليل من قال: التيمم إلى الآباط:
(1450 - 82) ما رواه أحمد، قال: حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة،
عن عمار بن ياسر أبي اليقظان، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليهم الرخصة في المسح بالصعدات، فدخل عليها أبو بكر، فقال: إنك لمباركة، لقد نزل علينا فيك رخصة، فضربنا بأيدينا لوجوهنا، وضربنا بأيدينا ضربة إلى المناكب والآباط
(2)
.
[الحديث فيه اضطراب كثير، وسبق تخريجه]
(3)
.
وقد حاول بعض العلماء الإجابة عنه، على احتمال ثبوته بأجوبة منها:
الأول: أن يكون ذلك في أول الأمر، ثم نسخ.
ذكر الشافعي رحمه الله تعالى وأبو بكر الأثرم وغيرهما من العلماء: أن التيمم إلى الآباط إن كان وقع ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده، فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به. اهـ
(1)
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 165): " وقال ابن شهاب: يبلغ بالتيمم الآباط، ولم يقل ذلك غيره فيما علمت". اهـ
(2)
المسند (4/ 320).
(3)
في فصل: هل التيمم رخصة أو عزيمة، فانظره هناك مشكوراً.
ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد "
(1)
.
الثاني: أن يكون ذلك وقع من الصحابة على وجه الاجتهاد قبل معرفتهم للصفة المشروعة من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبد البر: " يحتمل أن يكون من تيمم عند نزول الآية إلى المناكب أخذ بظاهر الكلام، وما تقتضيه اللغة من عموم لفظ الأيدي، ثم أحكمت الأمور بعدُ بفعل النبي عليه السلام، وأمره بالتيمم إلى المرفقين"
(2)
.
وقال ابن الجوزي: وحديث عمار: " تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط " ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالوجه والكفين، والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم، أنه قال: الوجه والكفين. ففي هذا دلالة أنه انتهى إلى ما عَلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم "
(3)
.
وقال ابن رجب: " وعلى تقدير صحته، ففي الجواب عنه وجهان:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم أصحابه التيمم على هذه الصفة، وإنما فعلوه عند نزول الآية لظنهم أن اليد عند الإطلاق تشمل الكفين والذارعين والمنكبين والعضدين، ففعلوا ذلك احتياطاً كما تمعك عمار بالأرض للجنابة، وظن أن تيمم الجنب يعم البدن كله كالغسل، ثم بين
(1)
الفتح تحت حديث رقم (339)، شرح ابن رجب للبخاري (2/ 253).
(2)
الاستذكار (3/ 166).
(3)
تنقيح التحقيق (1/ 565).
النبي صلى الله عليه وسلم التيمم بفعله وقوله " التيمم للوجه والكفين " فرجع الصحابة كلهم إلى بيانه صلى الله عليه وسلم، ومنهم عمار راوي الحديث، فإنه أفتى أن التيمم ضربة للوجه والكفين "
(1)
.
وهذا الجواب لا حاجة إليه مع تضعيف حديث عمار من طريق الزهري، لأنه يبعد كل البعد أن يكون التيمم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم في السفر، ثم يتيمم أصحابه رضي الله عنهم دون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة التيمم، مع حرصهم على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدقيق والجليل، وإمكان الرجوع إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم في معرفة تلك الصفة، وعلى فرض أن يكون بعضهم فعل ذلك اجتهاداً مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان سيعلم ذلك إما من الوحي لمخالفته الصفة المشروعة، وإما من الناس خاصة إذا شاهدوا تيمم الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفاً لما فعلوه، وهذا إنما نقوله في المناظرة، وإلا فهو بعيد جداً، ولم يكن الصحابة يجتهدون إلا حيث لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وأما إذا كان معهم فإنه يرجعون إليه، ويصدرون عنه، فالصواب أن حديث عمار من طريق الزهري حديث مضطرب، وقد بينت اختلاف أصحاب الزهري عليه في إسناده في أول كتاب التيمم، وهذا الذي دفع ابن عبد البر أن يقول:" أحاديث عمار في التيمم كثيرة الاضطراب، وإن كان رواتها ثقات "
(2)
.
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 252).
(2)
الاستذكار (3/ 165). قلت: ينبغي أن يستثني من حديث عمار ما كان منه في الصحيحين، وقد نص على أن التيمم في الوجه والكفين، وما خالف ذلك فإنه حديث ضعيف أو موقوف.
قال ابن رجب: " هذا حديث منكرجداً، لم يزل العلماء ينكرونه، وقد أنكره الزهري راويه، وقال: هو لا يعتبر به الناس، ذكره الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، وروي عن الزهري أنه امتنع أن يحدث به، وقال: لم أسمعه إلا من عبيد الله، وروي عنه أنه قال: لا أدري ما هو؟ وروي عن مكحول أنه كان يغضب إذا حدث الزهري بهذا الحديث، وعن ابن عيينة أنه امتنع أن يحدث به، وقال: ليس العمل عليه، وسئل الإمام أحمد عنه، فقال: ليس بشيء، وقال: أيضاً: اختلفوا في إسناده، وكان الزهري يهابه، وقال: ما أرى العمل عليه "
(1)
.
الدليل الثاني لمن قال: يمسح إلى الآباط:
قالوا: إن اليد إذا أطلقت يتناول جميع اليد، من رؤوس الأصابع إلى الآباط.
ويجاب.
هذا يحتاج إلى دليل على أن اليد تطلق على جميع الجارحة، بل الدليل قام من القرآن على خلاف هذا، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو بلسان عربي مبين، قال تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}
(2)
، فأطلق اليد، ولم يفهم منه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام أن القطع يشمل جميع الجارحة من رؤوس الأصابع إلى الآباط، بل قام الإجماع على أن القطع للكف فقط، وقد نقلته عن ابن عبد البر في أدلة القول السابق.
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 252).
(2)
المائدة: 38.