الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك؛ فإن ذلك خير
(1)
.
[حديث حسن وسبق تخريجه]
(2)
.
الدليل الخامس:
من النظر، فإن التيمم إنما شرع من أجل استدارك مصلحة الوقت، لأن عادم الماء قد يستطيع أن يصلي خارج الوقت بالماء، فشرع لإدراك فضيلة الوقت، وهذا قدر مشترك بين الحدثين الأصغر والأكبر.
دليل عمر وابن مسعود على أن الجنب لا يتيمم:
الدليل الأول:
عدم العلم بالدليل، وهو في حقهما كاف في الاستدلال؛ لأن الأصل في العبادات الحضر حتى يقوم دليل على المشروعية، إلا أن من لم يعلم بالدليل لا يكون قوله حجة على من علم، وقد حفظ غيرهما التيمم عن الجنابة من حديث عمران بن الحصين ومن حديث أبي ذر رضي الله عنه فضلاً عن حديث عمار المتفق على صحته.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}
(3)
.
وجه الاستدلال:
(1)
سنن أبي داود (332)
(2)
انظر حديث رقم (39) من كتاب أحكام الطهارة.
(3)
النساء: 43.
أن الله سبحانه وتعالى نهى الجنب أن يقرب مصلى المسلمين إلا مجتازاً فيه حتى يغتسل، ولم يرخص له بالتيمم.
قالوا: وتأويل قوله تعالى: {أولا مستم النساء} قالوا: اللمس قالوا: المقصود به: اللمس باليد دون الفرج ودون الجماع
(1)
.
وقد تكلمت في أدلة الجمهور على أن الراجح في معنى اللمس: هو الجماع خاصة، ولكن الله يكني بذكره كما قال تعالى:{فالآن باشروهن}
(2)
، وقال:{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن}
(3)
، وهذا يراد به الجماع.
وقد قال ابن عبد البر: " لم يتعلق بقول عمر وعبد الله أحد من فقهاء الأمصار من أهل الراي وحملة الآثار "
(4)
.
قلت: قد تبعهما على ذلك إبراهيم النخعي من فقهاء التابعين، فيما حكاه ابن المنذر
(5)
.
وقد حاول بعض أهل العلم أن ينسب إليهما الرجوع عن هذا القول، وعندي أن دعوى الرجوع تحتاج إلى إثباته عنهما بسند صحيح صريح، وكثير من الأقوال الضعيفة التي قال بها بعض الصحابة، كالقول بجواز المتعة، أو القول بجواز مسح القدم بلا خف، أو نفي القول بمشروعية المسح على الخفين
(1)
تفسير الطبري (5/ 113).
(2)
البقرة: 187.
(3)
البقرة: 237.
(4)
التمهيد (19/ 271).
(5)
الأوسط (2/ 15).
أو القول بجواز ربا الفضل ونحوها تجد من أهل العلم من يحاول أن يثبت أن الصحابي الذي قال بهذا القول بأنه قد رجع، ولا يكون له دليل على هذه الدعوى إلا أنه قد ينبل بالصحابي أن يقول بهذا القول الضعيف فيحمله هذا على دعوى الرجوع، وقد يكون له دليل غير صحيح، أو صحيح ولكنه غير صريح، فمن ذلك مسألتنا هذه، فقد رأى بعض أهل العلم أن عمر وابن مسعود قد رجعا عن قولهما. قال النووي:" التيمم عن الحدث الأكبر جائز، هذا مذهبنا، وبه قال العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا عمر بن الخطاب وعبد الله ابن مسعود وإبراهيم النخعي التابعي، فإنهم منعوه، قال ابن الصباغ وغيره: قيل إن عمر وعبد الله رجعا "
(1)
.
فقد ساق الرجوع بصيغة التمريض، وحكاية قيل ليست جزماً برجوعهما.
قال ابن عبد البر: " قال قائل: إن في بعض الأحاديث عن عمار، أن عمر لم يقنع بقول عمار، فالجواب: أن عمر كان يذهب إلى أن الجنب لا يجزيه إلا الغسل بالماء، فلما أخبره عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن التيمم يكفيه سكت عنه، ولم ينهه، فلما لم ينهه علمنا أنه قد وقع في قلبه تصديق عمار؛ لأن عماراً قال له: إن شئت لم أذكره، ولو وقع في قلبه تكذيب عمار لنهاه؛ لما كان الله قد جعل في قلبه تعظيم حرمات الله، ولا شيء أعظم من الصلاة، وغير متوهم على عمر أن يسكت على صلاة تصلى عنده بغير طهارة، وهو الخليفة المسؤول عن العامة، وكان أتقى الناس لربه، وأنصحهم لهم في دينهم في ذلك
(1)
المجموع (2/ 240).
الوقت رحمة الله عليه "
(1)
.
قلت: ليست القسمة أن يقع في قلب عمر تصديق عمار أو تكذيبه، بل هناك قسم ثالث، وهو أن يقع في قلبه خطأ عمار، وقد قال لعمار: نوليك ما توليت
(2)
، يعني: أنت تتحمل مسؤولية هذا البلاغ، وأنا برئ من هذا، فهو في أحسن أحواله لا يذكر شيئاً، ولذلك قال عمر لعمار: اتق الله يا عمار
(3)
، فهذا دليل على أنه لم يقنع بكلام عمار.
وقال الباجي: " والذي يظهر لي من قولهما أنهما إنما منعا ذلك للذريعة، وذلك أن أبا وائل روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لو رخصنا لهم فيها لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتمم "
(4)
.
وهذا الكلام يمكن أن يصدق على ابن مسعود وحده، ولا يصدق هذا الكلام على عمر، وذلك لأن عمر قد وعظ عماراً حين ذكر له قصة التيمم، وقال له: اتق الله يا عمار، وأخبره بأنه لا يذكر شيئاً، وأما عن ابن مسعود فهو ثابت عنه، وفيه إشكال كبير، ولا بد من توجيهه، فالعمل في سد الذرائع سائغ بشرط ألا يؤدي ذلك إلى إسقاط واجب، أو ارتكاب محرم، فالجنب إذا منعناه من التيمم كان معنى ذلك إما أن يدع الصلاة إلى أن يجد الماء، أو يصلي بدون طهارة، وكلا الأمرين حرام، ثم لو صح كلام ابن مسعود في الجنب إذا تيمم مع وجود الماء
(1)
التمهيد (19/ 273).
(2)
مسلم (368).
(3)
مسلم (368).
(4)
المنتقى (1/ 112).
خوفاً من البرد، لم يصح كلامه في الجنب إذا تيمم لفقد الماء، وعمر وابن مسعود يمنعان الجنب من التيمم مطلقاً مع عدم الماء، ومع وجوده والخوف من استعماله، فلا بد من توجيه كلام ابن مسعود رضي الله عنه، خاصة أنه من كبار فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، فيقال: إن ابن مسعود ذكر سبباً واحداً من الأسباب التي حملته على القول بعدم تيمم الجنب، ولم يذكر كل الأسباب التي حملته على القول بالمنع، ولقد كان ابن مسعود رضي الله عنه شديد المتابعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فحين رأى أن عمر لم يقنع بكلام عمار كما ذكر ابن مسعود ذلك في مناظرته لأبي موسى، ورأى أنه تعارض عنده كلام عمر وكلام عمار، وعمر أفقه من عمار رضي الله عنه، فاتبع ابن مسعود أفقه الرجلين، ولا بد من القول بذلك؛ لأن الاعتذار الذي ذكره ابن مسعود رضي الله عنه من كونه منع ذلك من باب سد الذرائع لا يجوز القول به، وهو يؤدي إلى ترك الواجبات، والوقوع في المحرمات، وإنما كان ذلك من جملة المرجحات، وليس المرجح الوحيد، والله أعلم.
وأعتقد أن مذهب عمر وابن مسعود أصبح مهجوراً في هذا العصر، فليس له أتباع فيما أعلم، والعجب ليس من نسيان عمر رضي الله عنه ما حدث له مع عمار، فإن الإنسان مهما أوتي من حفظ فإنه معرض للنسيان، ولكن العجب كيف خفي على عمر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنه الأحاديث الأخرى في تيمم الجنب، كحديث عمران بن الحصين، وقد كان وقع ذلك في الغزو بشهود عدد كثير من الصحابة، وكيف خفي عليهم حديث أبي ذر رضي الله عنه، فأبو موسى لم يحتج على ابن
مسعود إلا في حديث عمار، وآية المائدة مما يدل على أنه لا يعلم الأحاديث الأخرى، وفي ذلك تسلية لطالب علم الحديث، فإنه قد يحكم لإسناد ما بأنه ضعيف، وهناك طريق أخرى صحيحة لم يقف عليها، وهذا أمر لا يسلم منه أحد، فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.