الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول:
في حكم التيمم
الفصل الأول:
في التيمم هل هو رخصة أو عزيمة
؟
تعريف الرخصة:
الرخصة في اللغة تطلق على التيسير والتسهيل، يقال: رخص الشرع في كذا: إذا يسره وسهله.
والرخصة في الأمر: هو خلاف التشديد.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه "
(1)
.
ويقال: رَخُص السعر: إذا تراجع وسهل الشراء.
ويقال: رخَّص له في الأمر: إذا أذن له فيه وسهله بعد أن كان ممنوعاً.
والرخصة: ترخيص الله للعبد في أشياء خففها عنه.
وأما العزيمة: فالعزم عبارة عن القصد المؤكد، قال الله تعالى: {فنسي
(1)
رواه أحمد في المسند (2/ 108) من حديث ابن عمر، وهو حديث حسن، وسبق تخريجه بتمامه في كتاب أحكام المسح على الحائل، رقم (43).
ولم نجد له عزماً}
(1)
، أي: قصداً بليغاً، وسمي بعض الرسل أولي العزم، لتأكيد قصدهم في طلب الحق
(2)
.
وفي اصطلاح الفقهاء:
الرخصة، قال الغزالي: عبارة عما وُسِّعَ للمكلف في فعله لعذر، وعجز عنه مع قيام السبب المحرم
(3)
.
وقال في شرح المجلة: هي الأحكام التي ثبتت مشروعيتها بناء على الأعذار مع قيام الدليل المحرم توسعاً في الضيق
(4)
.
وقيل: الرخصة ما شرع على وجه التسهيل والتخفيف
(5)
.
وقيل: حكم شرعي سهل، انتقل إليه من حكم شرعي صعب لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي
(6)
.
وأما العزيمة: فقيل: هو الحكم الأصلي السالم موجبه عن المعارض
(7)
.
وإذ عرفنا الرخصة والعزيمة، فقد اختلف العلماء في التيمم، هل هو رخصة أو عزيمة؟.
(1)
طه: 115.
(2)
لسان العرب (7/ 40) و (12/ 401) مختار الصحاح (ص: 101، 181).
(3)
المستصفى (ص:78).
(4)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 35).
(5)
الفواكه الدواني (1/ 161).
(6)
الخرشي (1/ 176).
(7)
البحر المحيط (2/ 29 - 30)، وكذا قال في شرح الكوكب المنير (ص: 149)، فقد عرف العزيمة بقوله: " حكم ثاب بدليل شرعي خال عن معارض راجح.
فقيل: رخصة، وهو مذهب الجمهور
(1)
،
وأومأ إليه ابن القيم رحمه الله
(2)
.
وقيل: عزيمة، وهو قول في مذهب الشافعية
(3)
، وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(4)
.
وقيل: عزيمة عند عدم الماء، رخصة في حق المريض إذا تيمم مع وجود الماء، أو مع بُعْدِه، أو بيعه بأكثر من ثمنه، وهو قول في مذهب المالكية
(5)
،
(1)
انظر في مذهب الحنفية: تبيين الحقائق (1/ 37)، شرح فتح القدير (1/ 123)، البحر الرائق (1/ 146).
وفي مذهب المالكية: مواهب الجليل (1/ 325 - 326)، الفواكه الدواني (1/ 152)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 179).
وفي مذهب الشافعية، قال النووي في المجموع (2/ 238):" وهو - يعني: التيمم - رخصة وفضيلة، اختصت بها هذه الأمة ". وانظر نهاية المحتاج (1/ 263).
(2)
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 301): " وأما كون تيمم الجنب كتيمم المحدث، فلما سقط مسح الرأس والرجلين بالتراب عن المحدث، سقط مسح البدن كله بالتراب بطريق الأولى؛ إذ في ذلك من المشقة والحرج والعسر ما يناقض رخصة التيمم ".
(3)
قال في المنثور في القواعد (2/ 165): " ومنه التيمم لفقد الماء أو للخوف من استعماله إذا جعلناه رخصة، وهو ما أورده الإمام والرافعي.
والثاني: أنه عزيمة، وهو ما أورده البندنيجي. والثالث: التفصيل بين التيمم لعدم الماء فعزيمة، أو للمريض أو بعد الماء عنه، أو بيعه بأكثر من الثمن فرخصة، وهو ما أورده الغزالي في المستصفى
…
".
(4)
المغني (1/ 52)، شرح منتهى الإرادات (1/ 62).
(5)
مواهب الجليل (1/ 325 - 326)، الفواكه الدواني (1/ 152)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 179) ..
وقول في مذهب الشافعية
(1)
.
وسبب الخلاف في التيمم، هل هو عزيمة أو رخصة؟ أن بعض العلماء لا يرى أن الرخصة تكون في الواجبات، والتيمم واجب عند عدم الماء أو العجز عن استعماله، فلا يلحق بالرخص، وبعض العلماء لا يرى مانعاً من إلحاقه بالرخصة وإن كان واجباً، لأن الرخصة عنده تنقسم إلى واجب ومندوب ومباح
(2)
.
فإن قيل: كيف يكون الشيء واجباً ويكون رخصة؟
قيل: أكل الميتة للمضطر واجب لإنقاذ نفسه من الهلكة، فهو من حيث وجوب الأكل عزيمة، ومن حيث إسقاط العقاب والعفو عن الفعل هو رخصة
(3)
.
(1)
انظر المنثور في القواعد (2/ 165).
(2)
البحر المحيط (2/ 34)، ومواهب الجليل (1/ 326) الأشباه والنظائر (ص: 82).
(3)
اختلف العلماء في أكل الميتة للمضطر:
فمنهم من يرى أن أكل الميتة عزيمة لا رخصة؛ لوجوب الأكل، وذلك لأنه سبب لإحياء النفس، وما كان كذلك فهو واجب، ولقوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] اختاره من الشافعية إلكيا الهراسي.
ومنهم من يرى أن أكل الميتة من الرخص الواجبة، وهذا مذهب الشافعية، انظر المجموع (4/ 220)، والبحر المحيط (2/ 34)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 82)، شرح الكوكب المنير (ص: 150).
ومنهم من يرى أن أكل الميتة للمضطر جائز، وليس بواجب، بناء على أن القول بالوجوب يتنافى مع الترخيص، فلا يأثم بالامتناع عن أكلها، مثله مثل لو أخذ بالعزيمة، وامتنع عن قول كلمة الكفر
وإذا أكل، فقيل: ترتفع الحرمة في هذه الحال، فيصير أكلها مباحاً. =