الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس:
لو وضع يديه على الأرض بدون ضرب
هل يشترط في التيمم ضرب الأرض بيديه؟ أو يصح التيمم حتى لو وضع يديه على الأرض بدون ضرب، اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: لا يشترط ضرب الأرض بيديه، فلو وضع كفيه على التراب أجزأه، وهذا مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
ودليلهم: أن الكتاب لم يعتبر ضرب الأرض من مسمى التيمم، فإن المأمور به في القرآن هو المسح فقط، قال تعالى:{فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}
(5)
.
(1)
قال في المبسوط (1/ 106): " ثم بين صفة التيمم، فقال: يضع يديه على الأرض
…
ثم قال: فقد ذكر الوضع، والآثار جاءت بلفظ الضرب .... والوضع جائز، والضرب أبلغ ليتخلل التراب بين أصابعه "، وانظر درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 30)، شرح فتح القدير (1/ 126).
(2)
قال في الشرح الصغير (1/ 194): " قوله" وضع الكفين على الصعيد " إنما قال ذلك دفعاً لما يتوهم من لفظ الضرب أنه يكون بشدة، فأفاد أنه وضع الكفين على الصعيد، ومثل الكفين: أحدهما أو بعضهما، ولو بباطن إصبع واحد، وأما لو تيمم بظاهر كفه فلا يجزئ ".
(3)
الشافعية يشترطون أن يعلق بيده غبار كما سبق أن هذا عندهم من شروط التيمم، انظر: الأم (1/ 50)، وقال في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (ص: 82): " ولا يتعين الضرب، فلو وضع يديه على تراب ناعم، وعلق بهما غبار كفى". وانظر: السراج الوهاج (ص:28)، حلية العلماء (1/ 186)، مغني المحتاج (1/ 100)، المجموع (2/ 263)، كفاية الأخيار (1/ 60).
(4)
قال ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 421): " ولو وضع يده على التراب، فعلق من غير ضرب جاز ".وانظر المبدع (1/ 229)، كشاف القناع (1/ 179).
(5)
المائدة: 6.
فالعبرة بمسح الوجه واليدين بالتراب بنية التيمم.
وأما حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه مرفوعاً، وفيه:
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه
(1)
.
فهو لا يدل على وجوب كل ما ذكر في الحديث، ومنه الضرب، بدليل أن النفخ ليس بواجب، وهو مذكور فيه، وبدليل أن آية التيمم ليس فيها ذكر الضرب، فقد يكون الحديث خرج مخرج الغالب، أو أنه أراد من الضرب: إرادة المسح بالأرض، والضرب أبلغ من وضع اليد بالأرض، والله أعلم.
ويتفرع على هذه المسألة سؤال آخر:
هل ضرب اليد بالأرض ركن بالتيمم، أو وسيلة يتوصل بها لمسح الوجه واليدين بالأرض، وينبني على الخلاف في هذه المسألة ما لو ضرب الأرض بيديه، ثم أحدث قبل مسح وجهه ويديه.
فقال أبو شجاع من الحنفية: يعيد ضرب الأرض، كبطلان بعض الوضوء بالحدث.
وفي الخلاصة: الأصح أنه لا يستعمل ذلك التراب، كذا اختاره شمس الأئمة السرخسي
(2)
.
قلت: وهذا هو مذهب الشافعية:
" قال القاضي حسين البغوي: إذا أحدث المتيمم بعد أخذه التراب، وقبل المسح بطل ذلك الأخذ، وعليه الأخذ ثانياً، بخلاف ما لو أحدث بعد
(1)
البخاري (338)، ومسلم (368).
(2)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 30)، شرح فتح القدير (1/ 126).
أخذ الماء وقبل غسل الوجه، فإنه لا يضره؛ لأن المطلوب في الوضوء الغسل لا نقل الماء، وهنا المطلوب نقل التراب"
(1)
.
والصحيح أن نقل التراب ليس هو العبادة في التيمم، وإنما العبادة هو مسح الوجه واليدين بعد ضرب الصعيد الطيب.
" قال القاضي الإسبيجابي من الحنفية: " يجوز - يعني: إذا أحدث بعد ضرب الأرض - كمن ملأ كفيه ماء، فأحدث، ثم استعمله، والذي يقتضيه النظر عدم اعتبار ضربة الأرض من مسمى التيمم شرعاً؛ فإن المأمور به المسح ليس غير في الكتاب، قال تعالى:{فتيمموا صعيداً طيباً، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}
(2)
(3)
.
هذا وقد عقدت فصلاً مستقلاً فيما لو ألقت الرياح التراب على وجه المتيمم وكفيه، فهل يجزئ ذلك عن ضرب الأرض، أو لا بد من ضرب الأرض بالتيمم، فتلك المسألة لها متعلق بهذه، وقد حكيت فيها ثلاثة أقوال:
الإجزاء مطلقاً، والمنع مطلقاً، والإجزاء إن مسح بيديه على وجه وكفيه، فارجع إليها لزيادة البحث في هذه المسألة، والله أعلم.
(1)
المجموع (2/ 272)، بل اشترط الشافعية أن يكون أخذ التراب بعد دخول الوقت، فلو أخذ التراب على يديه قبل الوقت، ومسح بهما وجهه في الوقت لم يصح. انظر المجموع (2/ 275) وقد بينت فيما سبق أن اشتراط دخول الوقت في التيمم لا دليل عليه.
(2)
المائدة: 6.
(3)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 30)، شرح فتح القدير (1/ 126).