الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: لا يتيمم، وهو مذهب عمر وابن مسعود رضي الله عنهما
(1)
.
دليل من قال بمشروعية التيمم عن الجنابة:
استدلوا من كتاب الله بآية المائدة، سواء من قال: إن قوله تعالى: {أو لا مستم النساء}
(2)
، المقصود به الجماع، أو من قال إن المقصود به الحدث الأصغر وهو مس بدن المرأة.
لكن من قال: إن المقصود بقوله تعالى {أو لامستم النساء} الحدث الأصغر كان توجيه للاستدلال بالآية على النحو التالي، قال: إن قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. إلى قوله سبحانه: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} ثم قال تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا}
(3)
، وهو عائد إلى المحدث والجنب جميعاً.
وأما من قال: إن المراد بقوله تعالى {أو لا مستم النساء} هو الجماع، وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، وهو الموافق لبلاغة القرآن، فالآية نص في تيمم الجنب، وتوجيه الآية: أن الله سبحانه وتعالى ذكر طهارتين: الماء والتيمم، وذكر في وجوب طهارة الماء سببين: الحدث الأصغر والأكبر، فالأصغر في قوله تعالى:{فاغسلوا وجوهكم وأيدكم إلى المرافق .. } والحدث الأكبر بقوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} .
وفي طهارة التيمم كذلك: ذكر حدثين: الأصغر والأكبر، فالأصغر بقوله
= شرح منتهى الإرادات (1/ 96)، مجموع الفتاوى (21/ 382)، كشاف القناع (1/ 161).
(1)
ستأتي الآثار عنهما مخرجة ضمن سياق أدلة القوم إن شاء الله تعالى.
(2)
صحيح البخاري (335).
(3)
صحيح البخاري (335).
تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} والأكبر بقوله تعالى: {أو لامستم النساء} أي جامعتم النساء، ولو حمل على اللمس باليد لكان معنى الآية هذا أن الآية كررت ذكر حدثين أصغرين، وأهملت الحدث الأكبر في طهارة التيمم، وهذا مناف للبلاغة المعهودة من كتاب الله سبحانه وتعالى، فكان مقتضى التقسيم في طهارة الماء من ذكر الحدث الأصغر والأكبر، أن يعاد التقسيم نفسه في طهارة التيمم، لا أن يكرر الحدث الأصغر، ويهمل الحدث الأكبر، وهذه القرينة كافية في حمل اللمس على الجماع في الآية الكريمة، وقد فسرها ابن عباس بالجماع، وهو ترجمان القرآن،
(1439 - 71) فقد روى ابن أبي شيبة، من طريق عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبير، قال:
اختلفت أنا وأناس من العرب في اللمس، فقلت: أنا وأناس من الموالي: اللمس ما دون الجماع، وقالت العرب: هو الجماع، فأتينا ابن عباس، فقال: غلبت العرب، هو الجماع.
[وإسناده صحيح]
(1)
.
وقد احتج أبو موسى رضي الله عنه بآية المائدة على مشروعية التيمم عن الجنابة، وذلك حين ناظر ابن مسعود، وانقطع ابن مسعود عن الجواب عن الآية، واعتذر بذلك بأنه قال بالمنع سداً للذريعة:
(1440 - 72) فقد روى البخاري من طريق أبي معاوية، عن الأعمش،
عن شقيق قال: كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى: لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهراً أما كان يتيمم
(1)
المصنف (1/ 153).
ويصلي؟ فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ؟ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد، قلت: وإنما كرهتم هذا لذا، قال: نعم
…
الحديث
(1)
.
وفي رواية للبخاري: " فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، فكيف تصنع بهذه الآية، فما درى عبد الله ما يقول، فقال: إنا لو رخصنا لهم .... وذكر الكلام السابق
(2)
.
وجواب ابن مسعود لم يكن مطابقاً للسؤال؛ لأن السؤال عن رجل أجنب فلم يجد الماء شهراً، فهو عادم للماء، فقال: لا يصلي، واعتذر ابن مسعود بأنه لو رخص في هذا لتيمم الرجل الذي يجد الماء إذا برد عليه، وجواب ابن مسعود مشكل من الناحية الشرعية؛ لأن سد الذرائع يجب ألا يؤدي القول بها إلى إسقاط واجب أو ارتكاب محرم، وسوف أعلق عليه عند الكلام على مذهب عمر وابن مسعود رضي الله عنهما.
الدليل الثاني:
(1441 - 73) ما رواه البخاري من طريق الحكم، عن ذر، عن سعيد ابن عبد الرحمن ابن أبزى،
عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر
(1)
صحيح البخاري (347).
(2)
البخاري (346).
أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت، فصليت، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه، ورواه مسلم بنحوه
(1)
.
الدليل الثالث:
(1442 - 74) ما رواه البخاري، قال: أخبرنا عبد الله، قال أخبرنا عوف، عن أبي رجاء، قال:
حدثنا عمران بن حصين الخزاعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلاً لم يصل في القوم، فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك
(2)
.
الدليل الرابع:
(1443 - 75) ما رواه أبو داود من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان،
عن أبي ذر، قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا ذر ابد فيها، فبدوت إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة، فأمكث الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو ذر: فسكت، فقال: ثكلتك أمك أبا ذر، لأمك الويل، فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعس فيه ماء، فسترتني بثوب، واستترت بالراحلة، واغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلاً، فقال:
(1)
البخاري (338)، ومسلم (368).
(2)
البخاري (348).