الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثله دفع الغصة بالخمر إذا خاف على نفسه، فهو واجب ورخصة أيضاً
(1)
.
وذكر بعضهم ثمرة الخلاف في هذه المسألة، في تيمم العاصي بسفره، فعلى أنه عزيمة، يتيمم ولو كان عاصياً، وعلى أنه رخصة لا يتيمم
(2)
.
والحق أنه يتيمم مطلقاً، سواء كان عاصياً في سفره أو لا، وقد بحثت هذه المسألة فيما سبق وذكرت أدلة الأقوال مع بيان الراجح، مع أن التيمم ليس من الرخص الخاصة بالسفر على القول بأنه رخصة؛ لأن القائلين بمنع العاصي من الرخص في السفر خصوا ذلك بالرخص الخاصة بالسفر، كالقصر والفطر في رمضان، فإنها من رخص السفر خاصة، والله أعلم
(3)
.
دليل من قال: التيمم رخصة
.
الدليل الأول:
(1375 - 8) ما رواه أحمد، قال: حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة،
= وقيل: يبقى التحريم، ويرتفع الإثم فقط، لقوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " [البقرة: 173] فنفى الإثم فقط، وإلى هذا ذهب أبو يوسف من الحنفية، انظر التقرير والتحرير (2/ 151)، والموسوعة الكويتية (22/ 155).
(1)
انظر المستصفى للغزالي (ص: 79).
(2)
مواهب الجليل (1/ 326)، وانظر الفتاوى الفقهية الكبرى للرملي (1/ 230).
(3)
قال في الشرح الكبير (1/ 143): " وضابط الراجح: أن كل رخصة جازت في الحضر كمسح خف، وتيمم، وأكل ميتة، فتفعل وإن من عاص بالسفر، وكل رخصة تختص بالسفر كقصر الصلاة وفطر رمضان فشرطه أن لا يكون عاصياً به ".
عن عمار بن ياسر أبي اليقظان، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليهم الرخصة في المسح بالصعدات، فدخل عليها أبو بكر، فقال: إنك لمباركة، لقد نزل علينا فيك رخصة، فضربنا بأيدينا لوجوهنا، وضربنا بأيدينا ضربة إلى المناكب والآباط
[الحديث مطضرب الإسناد منكر المتن]
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله: " فنزلت عليهم الرخصة في المسح " وقول أبي بكر: " لقد نزل علينا فيك رخصة ".
ويجاب عن ذلك:
أولاً: الحديث إسناده منقطع على اختلاف فيه، كما أن متنه منكر، وقد اختلف فيه على الزهري
(2)
.
(1)
المسند (4/ 320).
(2)
الحديث اختلف فيه على الزهري، فروي عنه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الزهري، عن عبيد الله، عن عمار بن ياسر.
رواه ابن أبي ذئب، واختلف عليه فيه:
فرواه الطيالسي في مسنده (637) ومن طريقه رواه البيهقي (1/ 208)، وأبو يعلى في مسنده (1633).
وحجاج بن محمد كما في مسند أحمد (4/ 320).
كلاهما رواه عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله، عن عمار بذكر ضربتين للتيمم، والمسح إلى المناكب والآباط.
وخالفهما يزيد بن هارون، فأخرجه الطحاوي (1/ 111)، والشاشي في مسنده =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (1040) من طريقه، عن ابن أبي ذئب به، ولم يذكر ضربتين، وفيه:" فقام المسلمون فضربوا بأيديهم إلى الأرض، فمسحوا بها وجوههم، وظاهر أيديهم إلى المناكب، وباطنها إلى الآباط".
ورواه يونس بن يزيد كما في مسند أحمد (4/ 321)، وأبو داود (318،319)، وابن ماجه (571)،
ومعمر كما في مصنف عبد الرزاق (827)، وأحمد (4/ 320)، وأبو يعلى (1632)، وابن المنذر في الأوسط (535)، عن الزهري به بذكر ضربتين للتيمم كما هي رواية ابن أبي ذئب، من طريق الطيالسي وحجاج بن محمد عنه.
ومعمر قد اختلف عليه في الحديث، فرواه من غير طريق الزهري، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ورواه الليث بن سعد، كما في سنن ابن ماجه (565)، ومسند الشاشي (1041)، وذكره البيهقي في السنن (1/ 208) عن الزهري به ولم يذكر الضربتين، ولعله اختصره.
كما رواه عقيل عن الزهري به ذكره ابن أبي حاتم في العلل (61).
وعلى كل حال فهذا إسناد منقطع، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يسمع من عمار، كما ذكره المزي في تحفة الأشراف (7/ 481).
الوجه الثاني: الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار به، فزاد في الإسناد والد
عبيد الله، رواه عن الزهري ثلاثة:
الأول: مالك، كما في سنن النسائي الكبرى (301)، وفي المجتبى (315)، ومسند الشاشي (1042)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 110)، وابن حبان (1310)، والبيهقي في السنن (1/ 208).
والثاني: عمرو بن دينار كما في شرح معاني الآثار (111)،
والثالث: أبو أويس كما في مسند أبي يعلى الموصلي (1631)، ثلاثتهم رووه عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار، فجعلوا بين عبيد الله وبين عمار أبا عبيد الله.
ولم يذكر الضربتين، وإنما فيه: " تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراب، فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب.
الوجه الثالث: الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمار. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رواه محمد بن إسحاق، كما في مسند البرزا (1383، 1384)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 110) عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمار بذكر الضربتين للتيمم.
وخالفه عبد الرحمن بن إسحاق كما في مسند أبي يعلى (1609، 1652).
وصالح بن كيسان، كما في مسند أحمد (4/ 263 - 264)، وأبو داود (320)، والنسائي في المجتبى (314)، وفي الكبرى (300)، والمنتقى لابن الجارود (121)، وأبو يعلى في مسنده (1629)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 110، 111)، والشاشي في مسنده (1024)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 270) كلاهما (عبد الرحمن بن إسحاق، وصالح ابن كيسان) روياه عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمار، ولم يذكروا ضربتين للتيمم، وإنما ذكروا ضربة واحدة، قال في الحديث:" فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط ".وفي هذا الطريق أدخلوا ابن عباس واسطة بين عبيد الله وبين عمار.
ورواه ابن عيينة، واختلف عليه فيه:
فقيل: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري أخرجه ابن ماجه (566) عن محمد بن أبي عمر العدني.
والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 111) من طريق إبراهيم بن بشار، كلاهما، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، بلفظ: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب.
وقد خالف ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ابن ماجه رحمه الله، فقد رواه (278) عن محمد بن أبي عمر العدني، عن سفيان، عن الزهري مباشرة بدون ذكر عمرو بن دينار.
ورواه الحميدي (143) ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (536)
والبزار (1403) حدثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي،
وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (278) من طريق أبي بكر بن خلاد وابن أبي عمر.
والبيهقي في المعرفة (1561) من طريق الشافعي، خمستهم، عن ابن عيينة، عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار.
وليس فيه عمرو بن دينار.
قال البيهقي: هذا حديث قد رواه ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، ثم سمعه من الزهري، فرواه عنه، وكان يقول أحياناً: عن عمار، وأحياناً يقول: عن أبيه. قال علي بن المديني: قلت لسفيان: عن أبيه، عن عمار؟ قال: أشك في أبيه. قال علي: كان إذا حدثنا لم يجعل عن أبيه.
وهذا خلاف آخر على سفيان.
ولذلك ذهب أبو داود إلى أن ابن عيينة يضطرب في الحديث.
قال أبو داود على إثر حديث (320): " شك فيه ابن عيينة، قال مرة: عن عبيد الله، عن أبيه، أو عن عبيد الله عن ابن عباس. ومرة قال: عن أبيه، ومرة قال: عن ابن عباس، اضطرب فيه ابن عيينة، وفي سماعه من الزهري".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 285): " واضطرب ابن عيينة، عن الزهري في هذا الحديث في إسناده ومتنه ".
وروى الحديث معمر، واختلف عليه فيه:
فقيل: عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار بن ياسر، وسبق تخريجه في الوجه الأول.
وأخرجه الشافعي في مسنده بترتيب السندي (128)، ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن (1566)، والحازمي في الاعتبار (ص: 58) عن الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله عن أبيه، عن عمار.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (879) ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (23/ 49) رقم 130 عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه أو غيره، قال: سقط عقد لعائشة
…
فذكر نحوه، فأرسله. ومعمر متكلم في روايته عن هشام.
فهذه ثلاث اختلافات على معمر.
هذا ما وقفت عليه من طرق الحديث، وهذا الاختلاف على الزهري لم يكن من صغار أصحابه، بل وقع هذا بين الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، ولم يكن هذا الاختلاف قد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= انفرد به واحد دونهم فيحمل على الوهم، فهذا مالك وابن عيينة ومعمر وابن أبي ذئب ويونس وعقيل والليث قد اختلفوا فيما بينهم على الزهري، وهم من أخص أصحابه، ولم يقتصر الاختلاف على إسناد الحديث، بل اختلفوا حتى في متنه، فبعضهم يذكر ضربتين للتيمم، وبعضهم يذكر ضربة واحدة، كما أن ذكر المسح إلى الآباط مخالف لرواية الصحيحين من حديث عمار رضي الله عنه، فصفة التيمم في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وفي غيرهما ليس فيها ذكر ضربتين للتيمم، وليس فيها المسح إلى الآباط والمناكب، مما يزيد الحديث ضعفاً فأميل إلى أن الحديث مضطرب الإسناد، منكر المتن، وقد نقل الحميدي أن هذا الحديث مما ينكره الناس على الزهري.
قال الحميدي في مسنده (143): حضرت سفيان، وسأله عنه يحيى بن سعيد القطان، فحدثه، وقال فيه: حدثنا الزهري، ثم قال: حضرت إسماعيل بن أمية أتى الزهري، فقال: يا أبا بكر إن الناس ينكرون عليك حديثين تحدث بهما، فقال: ما هما؟ قال: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب، فقال الزهري: أخبرنا عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار. وذكر بقية الكلام.
فقوله: إن الناس ينكرون عليك حديثين وذكر هذا من أحدهما دليل على أن غالب العلماء ممن أنكر هذا الحديث على الزهري رحمه الله تعالى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 287): " أكثر الآثار المرفوعة في هذا الحديث إنما فيها ضربة واحدة للوجه واليدين، وكل ما يروى في هذا الباب عن عمار فمضطرب مختلف فيه".
ومن الأئمة السابقين من سلك مسلك الترجيح، وقد اختلفوا في الترجيح:
فقيل: الراجح: الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار.
قال ابن أبي حاتم في العلل (61): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه صالح بن كيسان وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم.
فقالا: هذا خطأ، رواه مالك وابن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار، وهو الصحيح، وهما أحفظ. =