الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً
طيباً}
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الله سبحانه وتعالى قال: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} فذكر شيئين مبيحين للتيمم: أحدهما: المرض، والثاني: السفر.
وأجيب:
بأن الله سبحانه وتعالى ذكر السفر لكونه مظنة عدم الماء، فإن فقد الماء في الحضر نادر وقليل، ومثله ذكر السفر في آية الرهن، قال تعالى:{وإن كنتم على سفر فلم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة}
(2)
، وليس السفر بشرط للرهن، فإذا جاز الرهن في الحضر، جاز التيمم في الحضر أيضاً.
دليل من قال: يتيمم ويعيد:
علل النووي وجوب الإعادة إذا تيمم في الحضر، بأن هذا العذر نادر غير متصل، وقال: احترزنا بالنادر عن المريض والمسافر، وبغير المتصل من المستحاضة.
ويجاب عنه بأمور:
الأول: هذا التعليل عليل، وإنما شرع التيمم لرفع الحرج عن هذه الأمة كما في قوله تعالى بعد أن ذكر طهارة الماء والتيمم {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}
(3)
، فأين التخفيف، وقد كلف
(1)
المائدة: 6.
(2)
البقرة: 283.
(3)
المائدة: 6.
في فعل الصلوات مرتين، مرة في التيمم، ومرة إذا وجد الماء، وقد يطول ذلك فيجتمع عليه صلوات كثيرة، فأين التخفيف في ذلك، وهل ذلك إلا موجب للعنت والمشقة على الناس.
ثانياً: إذا كان لا يعيد الصلاة إذا تيمم في السفر، فلا يعيد الصلاة إذا تيمم في الحضر، ولا فرق.
ثالثاً: التكليف بالإعادة لا بد له من دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقم دليل في تكليف المسلم بالإعادة، ولم يوجب الله فرض الظهر مرتين، فمن أوجب عليه الإعادة فقد أوجب عليه الفرض الواحد مرتين، وهذا خلاف المشروع.
رابعاً: أن الذي أميل إليه أن الإنسان إذا اجتهد وأخطأ، وامتثل الأمر معتقداً أن هذا هو الواجب عليه، ثم تبين له أنه أخطأ لم يكلف الإعادة، فما بالك بمن نأمره أن يتيمم، ثم نطلب منه أن يعيد، فإن كان التيمم لا يسقط عنه الواجب فلماذا نأمره به، وإذا كان التيمم يقوم مقام الماء عند فقده فلماذا نأمره بالإعادة.
فهذه المرأة التي كانت تستحاض، وكانت تعتقد أن ذلك حيض، وكانت تمتنع عن الصلاة والصيام قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي "
(1)
، ولم يأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلوات التي تركت ظناً منها أنه دم حيض.
وهذا الرجل المسيء في صلاته مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: " ارجع
(1)
البخاري (228)، ومسلم (333).
فصل فإنك لم تصل "
(1)
، لم يطلب منه إعادة الصلوات السابقة، مع أنه نفى عنه فعل الصلاة، وكلفه بإعادة الصلاة القائمة فقط، إما لأن الوقت ما زال قائماً، أو لأجل أن تشتد حاجته لمعرفة الصواب، ولذلك اغتفر تكراره مع الإساءة للصلاة لمصلحة التعليم، وإلا فالإنسان الذي لا يعلم أن يصلي قد لا يجوز أن نجعله يعبث في الصلاة على غير هدى، ونطلب منه أكثر من مرة أن يعيد الصلاة، وهو لا يحسن.
وهذا عمار تمرغ كما تتمرغ الدابة، وصلى، ظنا منه رضي الله عنه أن هذه هي الصفة المطلوبة في تيمم الجنب، ولم يفعل الصفة المشروعة، ولم يكلفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعادة، وإنما اكتفى بإخباره بالصفة المشروعة
(2)
، هذا عدي رضي الله عنه جعل تحت وساده عقالين: أبيض وأسود، وأخذ يأكل حتى تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فضحك منه، وأخبره بالصواب، ولم يأمره بالإعادة
(3)
، وهكذا فالنصوص متظافرة على أن من اجتهد، ففعل ما يعتقد أنه يلزمه شرعاً، ثم تبين له خطأ فعله، لم يكلف بالإعادة، فما بال المتيمم الذي كلفناه بالتيمم، وأنه يجب عليه فعل الصلاة على هذه الصفة، فما بالنا نأمره بالإعادة، فهذا القول بعيد جداً عن الصواب، والله أعلم.
(1)
صحيح البخاري (757)، ومسلم (397).
(2)
البخاري (338)، ومسلم (368).
(3)
البخاري (4509)، ومسلم (1090).