الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث:
في نفخ الأيدي بعد ضربهما في الأرض
اختلف أهل العلم في حكم نفخ الأيدي بعد ضربهما في الأرض،
فقيل: يستحب النفخ، والغرض منه إزالة ما علق في اليدين من التراب؛ لأنه لا يجب عليه تلطيخ التراب على عضو التيمم، وهو دليل على أنه لا يشترط في التيمم التراب، وإنما يشترط الضرب من غير زيادة، وهذا مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
.
(1)
يستبدل الحنفية نفخ الأيدي بنفضهما، وهو لإزالة التراب العالق باليد، انظر عمدة القارئ (4/ 16 - 17)، البحر الرائق (1/ 153)، أحكام القرآن للجصاص (4/ 27)، المبسوط (1/ 106 - 107).
قال في الهداية (1/ 125): " وينفض يديه بقدر ما يتناثر التراب كي لا يصير مثلة ".
قال في العناية شرح الهداية (1/ 125): " والمثلة: ما يمثل به من تبديل خلقته، وتغيير هيئته، سواء كان بقطع عضو أو تسويد وجه، أو تغييره ".
قال الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 46): " ذكر في ظاهر الرواية أنه ينفضهما نفضة، وروي عن أبي يوسف أنه ينفضهما نفضتين.
وقيل: إن هذا لا يوجب اختلافاً؛ لأن المقصود من النفض تناثر التراب صيانة عن التلوث الذي يشبه المثلة، إذ التعبد ورد بمسح كفٍ مسه التراب على العضوين، لا تلويثهما به، فلذلك ينفضهما، وهذا الغرض قد يحصل بالنفض مرة، وقد لا يحصل إلا بالنفض مرتين على قدر ما يلتصق باليدين من التراب، فإن حصل المقصود بنفضة واحدة اكتفى بها، وإن لم يحصل نفض نفضتين ".
وذكره مثله في تبيين الحقائق (1/ 38)، وزاد عليه:" ولا يجب عليه تلطيخ التراب على عضو التيمم؛ لأن المقصود من النفض: تناثر التراب صيانة عن التلويث الذي يشبه المثلة ".
(2)
مواهب الجليل (1/ 356)، الفواكه الدواني (1/ 157)،
وقيل: يسن النفخ من أجل تخفيف التراب إن كان كثيراً بحيث يبقى بعد النفخ من التراب قدر الحاجة، وهذا لمن يشترط التراب في التيمم، وهو مذهب الشافعية، وبعضهم اعتبره قولاً قديماً للشافعي
(1)
، وبه قال إسحاق
(2)
.
ويفهم من القولين أنه إذا لم يكن تراب، فلا يسن النفض
(3)
.
وقال أحمد: لا يضره إن فعل أو لم يفعل
(4)
.
وقيل: يكره نفخ التراب، وهو رواية عن أحمد
(5)
.
(1)
قال النووي في المجموع وهو يذكر سنن التيمم (2/ 269): " السابعة: أن يخفف التراب المأخوذ وينفخه إذا كان كثيراً، بحيث يبقى قدر الحاجة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في يديه بعد أخذ التراب، ونص عليه الشافعي والأصحاب، وقال صاحب الحاوي: نص في القديم أنه يستحب، ولم يستحبه في الجديد، فقال أصحابنا: فيه قولان: القديم يستحب، والجديد لا يستحب. وقال آخرون: على حالين: إن كان كثيراً نفخ، وإلا فلا ". اهـ
وقال في مغني المحتاج (1/ 100): " ويخفف الغبار من كفيه أو ما يقوم مقامهما إن كان كثيراً بالنفض أو النفخ بحيث يبقى قدر الحاجة لخبر عمار وغيره، ولئلا تتشوه به خلقته، وأما مسح التراب من أعضاء التيمم فالأحب أن لا يفعله حتى يفرغ من الصلاة، كما نص عليه في الأم ".
(2)
الأوسط (2/ 55).
(3)
حاشية ابن عابدين (1/ 231).
(4)
جاء في مسائل أبي داود لأحمد (111): " قلت لأحمد: ينفض يديه إذا ضرب بهما الأرض في التيمم؟ قال: لا يضره إن فعل، أو لم يفعل ". اهـ وانظر الأوسط لابن المنذر (2/ 55).
(5)
جاء في كتاب المسائل الفقهية من كتاب (1/ 89): " واختلفت في التيمم إذا علق على يديه تراب كثير، هل يكره له نفخ التراب ليخف ما عليها؟ =
الدليل على استحباب النفخ:
(1459 - 91) ما رواه البخاري من حديث عمار بن ياسر، وفيه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه
(1)
.
فثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نفخ يديه بعد أن ضربهما الأرض، واختلف العلماء، هل هذا النفخ لكونه علق بيديه شيء، فخشي عليه الصلاة والسلام أن يصيب وجهه الكريم.
أو علق بيده من التراب شيء له كثرة، فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه.
ويحتمل أن يكون لبيان التشريع، فهذه ثلاثة أقوال لثلاثة احتمالات
(2)
.
وقد سقنا لك كل مذهب ومن قاله، والذي يظهر لي أن مذهب الحنفية هو أقوى المذاهب، وقد دللنا فيما سبق أن التراب ليس شرطاً في صحة التيمم، وأن المتيمم يصح تيممه إذا ضرب جنس الأرض، سواء كان تراباً أو غيره، فإذا ضرب الأرض وكان في يديه غبار يتقيه، فلينفخه، ولا حرج؛ لأن
= فنقل الميموني كراهية ذلك. ونقل جعفر بن محمد نفي الكراهية، وهو أصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ عن يديه التراب، ويمكن أن تحمل كراهيته لذلك إذا كان النفخ يذهب بجميع التراب، ولا يبقى له غبار يمسح به وجهه، فإنه لا يجوز ذلك ".
وجاء في مطالب أولي النهى (1/ 220): فإن علق بيديه غبار كثير نفخه إن شاء، وإلا بأن كان خفيفاً كره نفخه؛ لئلا يذهب فيحتاج إلى إعادة الضرب، فإن ذهب ما على اليدين بنفخ، أعاد الضرب ".
(1)
البخاري (338)، ومسلم (368).
(2)
فتح الباري (1/ 44)، عمدة القارئ (1/ 16).
المطلوب هو ضرب الأرض باليدين ومسح الوجه واليدين بهما، وليس نقل التراب من الأرض.
ونفخ اليدين ليس واجباً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يذكره في آية التيمم، قال تعالى:{فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}
(1)
، وكان ابن عمر لا ينفخ يديه،
(1460 - 92) فقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم،
عن ابن عمر أنه كان إذا تيمم ضرب بيديه ضربة على التراب، ثم مسح وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى، ثم مسح بهما يديه إلى المرفقين، ولا ينفض يديه من التراب. قال عبد الرزاق: وبه نأخذ
(2)
.
[إسناده صحيح]
(3)
.
(1)
المائدة: 6.
(2)
المصنف (817).
(3)
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 48)، والدارقطني في سننه (1/ 182).
وروي مرفوعاً، وهو ضعيف جداً، انظر الدراقطني (1/ 181، 182)، والحاكم (1/ 179 - 180). وانظر إتحاف المهرة (9567).