الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
لو كان مع الجنب ماء يكفي للوضوء
هذه المسألة سوف نبحثها وفقاً لمذهب الحنفية والمالكية، لأن مذهب الشافعية والحنابلة كما مر معنا في المسألة المتقدمة يوجبون استعمال الماء، مهما قَلَّ، فالمسألة مفروضة على مذهب من يشترط أن يكون الماء كافياً للطهارة، وإلا انتقل إلى التيمم، فهل يقولون يتيمم عن الجنابة، ويتوضأ عن الحدث الأصغر باعتباره مقدوراً عليه؟ أو يقولون: يتيمم، ويدع الوضوء؛ لأن التيمم قد رفع الحدث، فلا حاجة إلى استعمال الوضوء؟.
فقيل: يتيمم، ولا يستعمل هذا الماء في الحدث الأكبر، فإن أحدث بعد تيممه حدثاً أصغر توضأ، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
وقيل: يتيمم، وإذا أحدث حدثاً أصغر تيمم أيضاً، ولا يستعمل الماء، وهذا مذهب المالكية
(2)
.
دليل الحنفية:
بأن هذا الرجل قد ارتفع حدثه الأكبر بالتيمم، فلا يرجع إليه إلا بقدرته على الاغتسال، وقد قام به حدث أصغر، وهو قادر على الوضوء، فلا يرتفع هذا الحدث الأصغر إلا بالوضوء، فلزمه.
و
دليل المالكية:
قالوا: الفرق بين الغسل للجنابة والتيمم للجنابة، في كون الوضوء شرع مع الغسل دون التيمم أمران:
(1)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 526).
(2)
مواهب الجليل (1/ 332).
أحدهما: أن الوضوء من جنس الغسل، شرع بين يديه أهبة له، كالمضمضة والاستنشاق قبل الوضوء، والإقامة بين يدي الصلاة، والصدقة بين يدي النجوى، والوضوء ليس من جنس التيمم، فلا يشرع تهيؤ له.
وثانيهما: أن أعضاء الوضوء أشرف الجسد لكونها موضع التقرب إلى الله، فكانت البداءة به أولى، والتيمم شرع في عضوين منها، فالوضوء يأتي عليهما وعلى غيرهما، فلا معنى للبداية بالوضوء"
(1)
.
قلت: هذا الكلام وجيه في عدم استحباب الوضوء في تيمم الجنب، لكن لو أحدث حدثاً أصغر، فما الدليل على أنه لا يشرع له الوضوء بالماء مع القدرة عليه؟
أجاب الحطاب في مواهب الجليل بقوله: " وإن تيمم الجنب، ثم أحدث، أو نام ثم وجد من الماء قدر الوضوء، لم يجزه الوضوء به؛ لأنه عاد جنباً، وكذلك يعود بدخول وقت صلاة ثانية "
(2)
.
قلت: يعود جنباً بوجود الماء الذي يكفي لرفع حدثه الأكبر، ولو قلنا: إنه يعود جنباً بوجود هذا الماء القليل لما صح تيممه الأول عن الجنابة مع وجود الماء القليل، فلما ألغينا اعتبار وجود الماء في التيمم الأول عن الجنابة، يجب أن نلغي عود الجنابة ببقاء هذا الماء إلا أن يجنب، فإذا أحدث حدثاً أصغر توضأ عنه لقدرته على الوضوء، والله أعلم.
(1)
الذخيرة (1/ 339).
(2)
مواهب الجليل (1/ 332).