الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول:
في تقدير المسافة التي تبيح التيمم ويسقط فيها طلب الماء
من خلال الفصل السابق تم مناقشة، هل يجب عليه طلب الماء قبل التيمم، وفي هذا الفصل سوف نناقش الحدود التي إذا بعد الماء فيها عن صاحبه، شرع له التيمم.
اختلف في ذلك أهل العلم،
فقيل: يتيمم إذا كان الماء يبعد ميلاً فأكثر، فإن كان أقل من ميل لم يجز التيمم، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الكاساني في بدائع الصنائع
(1)
.
وقيل: إن كان الماء أمامه يعتبر ميلين، وإن كان يمنة أو يسرة يعتبر ميلاً واحداً، وهو اختيار الحسن بن زياد من الحنفية
(2)
.
وقيل: إن كان الماء بحيث لو ذهب إليه لا تنقطع عنه جلبة العير، ويحس أصواتهم وأصوات الدواب، فهو قريب، وإن كان يغيب عنه ذلك فهو بعيد، وهو اختيار أبي يوسف من الحنفية
(3)
.
(1)
قال في مراقي الفلاح (ص: 48): " العذر المبيح للتيمم كبعده ميلاً، ولو في المصر".
وقال الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 46): " أن يكون الماء بعيداً عنه، ولم يذكر حد البعد في ظاهر الرواية، وروى محمد أنه قدره بالميل، وهو أن يكون ميلاً فصاعداً، فإن كان أقل من ميل لم يجز التيمم " ثم قال: " وأقرب الأقاويل اعتبار الميل؛ لأن الجواز لدفع الحرج، وإليه وقعت الإشارة في أية التيمم، وهو قوله تعالى:{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم} المائدة: 6.
(2)
بدائع الصنائع (1/ 46)،
(3)
بدائع الصنائع (1/ 47)، وهناك أقوال أخرى في مذهب الحنفية تركتها اقتصاراً.
وقيل: لا يحد فيه حداً، وإنما إذا شق عليه أو على أصحابه إن انتظروه، أو خاف فوات الرفقة تيمم.
وهذا القول رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة
(1)
، والمشهور في مذهب المالكية
(2)
.
وقيل يطلب الماء في رحله، وما قرب منه عرفاً، بحيث ينظر أمامه، وخلفه، ويمينه، وشماله إن كان الذي حواليه لا يستتر عنه، وهذا مذهب الشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
ولم يرد دليل في الشرع على تقدير مسافة معينة، وكل ما لم يحد شرعاً فإن مرجعه إلى العرف، والحكمة من مشروعية التيمم هو رفع الحرج كما نصت عليه آية التيمم، فالطلب الذي يلحق صاحبه مشقة وعنت فهو مرفوع،
(1)
جاء في المبسوط (1/ 108): " قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: سألت أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عن المسافر لا يجد الماء، أيطلبه عن يمين الطريق وعن يساره؟ قال: إن طمع في ذلك فليفعل، ولا يُبْعِد، فيضر بأصحابه إن انتظروه، أو بنفسه إن انقطع عنهم ". اهـ
(2)
جاء في المنتقى للباجي (1/ 102): " روى ابن القاسم عن مالك في المسافر يكون الماء حائداً عن طريقه أن ذلك على قدر قوة الرجل وضعفه، وبُعْد الموضع وقربه، فإن كان فيه مشقة أجزأه التيمم". اهـ وقال الباجي أيضاً (1/ 110): " وفي المبسوط من رواية ابن وهب عن مالك: أن كل ما يشق على المسافر طلبه والخروج إليه، وإن خرج إليه فاته أصحابه فإنه يتيمم، ولم يحد فيه حداً ".
وعبارة خليل في متنه: " طلباً لا يشق به ". قال الخرشي في شرحه (1/ 189): " أي طلبه طلباً لا يشق به، فليس الرجل والضعيف كالمرأة والقوي ".
(3)
المجموع (2/ 288).
(4)
الإنصاف (1/ 274)، شرح منتهى الإرادت (1/ 94)، كشاف القناع (1/ 167 - 168).
وإذا خاف فوت الرفقة لم يجب عليه طلب الماء، حتى ولو لم يكن يتضرر بفوتهم، فيكفي أن يفقد الإنس والألفة معهم، ومن قدره بالميل كالحنفية فتقديره لم يكن عن توقيف من الشارع، وإنما نظروا إلى المشقة التي تلحق الرجل في عصرهم، وأما في عصرنا فقد يكون الحال مختلفاً، فالسيارة ليست كالراحلة، والراكب ليس كالماشي، ومذهب الشافعية والحنابلة أرى أنه أيسر على المكلف ما دام أن الأمر ليس فيه توقيف، فينظر في مكانه، وما قرب منه، ولا يلزمه أن يشد رحله في طلب الماء، ويكفي أن يسأل أهل الخبرة بالمكان الذي هو فيه إن أمكن، فإذا لم يقف على الماء تيمم، ولا حرج،
(1428 - 60) فقد روى ابن المنذر من طريق صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: سألت الأوزاعي، قلت: حضرت الصلاة، والماء حائز على الطريق، أيجب أن أعدل إليه؟ قال: حدثني موسى بن يسار، عن نافع،
عن ابن عمر أنه كان يكون في السفر، والماء على غلوتين ونحو ذلك، فلا يعدل إليه
(1)
.
[إسناده حسن]
(2)
.
(1)
الأوسط (2/ 35).
(2)
في إسناده موسى بن يسار، قال عنه أبو حاتم الرازي: شيخ مستقيم الحديث. الجرح والتعديل (8/ 167).
وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 457).
وقال الذهبي: لا بأس به. ميزان الاعتدال (4/ 226).
وقال في المغني: صدوق. المغني في الضعفاء (2/ 689).
واحتج به إسحاق، ففي كتاب المسائل (80): قال إسحاق: لا يلزمه الطلب إلا في موضعه، ألا ترى أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يعدل إلى الماء، وهو منه على غلوة أو غلوتين.
والأثر رواه البيهقي (1/ 233) من طريق أبي عامر، ثنا الوليد بن مسلم به.
(1429 - 61) وأما ما رواه الدارقطني من طريق محمد بن سنان القزاز، نا عمرو بن محمد بن أبي رزين، حدثنا هشام بن حسان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع،
عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيمم بموضع يقال له مربد النعم، وهو يرى بيوت المدينة
(1)
.
[إسناده ضعيف، والمحفوظ وقفه على ابن عمر]
(2)
.
(1)
سنن الدارقطني (1/ 186).
(2)
في إسناده محمد بن سنان القزاز، جاء في ترجمته:
قال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي بالبصرة، وكان متسوراً في ذلك الوقت. الجرح والتعديل (7/ 279).
وقال أيضاً: سألت عنه عبد الرحمن بن خراش، فقال: هو كذاب، روى حديث (والان) عن روح بن عبادة، فذهب حديثه. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن خراش: ليس عندي بثقة. تاريخ بغداد (5/ 345).
وقال الآجري: سمعته - يعني: أبا دواد السجستاني - يتكلم في محمد بن سنان، يطلق فيه الكذب ". المرجع السابق.
وقال الدارقطني: لا بأس به. سؤالات الحاكم (163).
وذكره ابن حبان في الثقات (9/ 133).
وقال الحافظ في التهذيب: إن كان عمدة من كذبه كونه ادعى سماع هذا الحديث - يعني: حديث والان العدوي - من ابن عبادة، فهو جرح لين، لعله استجاز روايته عنه بالوجادة ". تهذيب التهذيب (9/ 183).
وقال مسلمة في الصلة: ثقة. المرجع السابق.
وفي التقريب: ضعيف.
فالحديث ضعيف على كل حال، سواء كان القزاز ضعيفاً أو ثقة، وذلك لأنه تفرد =
والموقوف كاف في الاحتجاج، لأن الصحابي أعلم من غيره متى يشرع له التيمم، ومتى لا يشرع.
(1430 - 62) فقد روى مالك، عن نافع،
أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف حتى إذا كانا بالمربد نزل
= بروايته مرفوعاً، وخالف غيره من الثقات ممن رووه موقوفاً على ابن عمر.
قال الدارقطني: " يرويه عبيد الله بن عمر، واختلف عنه، فرواه محمد بن سنان بن يزيد القزاز، عن عمرو بن محمد بن أبي رزين، عن هشام بن حسان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وغيره يرويه عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر موقوفاً، وكذلك رواه أيوب السختياني ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي، عن نافع، عن ابن عمر، من فعله موقوفاً. تاريخ بغداد (5/ 344).
وقال الخطيب: تفرد بروايته مرفوعاً محمد بن سنان بهذا الإسناد، وتابعه محمد بن يونس الكديمي، فرواه عن عمرو بن محمد بن أبي رزين كذلك ".
قلت: لا يفرح بهذه المتابعة، وذلك لأن الكديمي رجل متروك.
تخريج الحديث:
الحديث رواه الحاكم في المستدرك (1/ 180)، والدارقطني في سننه (1/ 186)، والبيهقي في السنن (1/ 234) من طريق محمد بن سنان، عن عمرو بن محمد به.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح تفرد به عمرو بن محمد بن أبي رزين، وهو صدوق، ولم يخرجاه، وقد أوقفه يحيى بن سعيد الأنصاري وغيره عن نافع، عن ابن عمر ".
ولم يتعقبه الذهبي بشيء.
وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وانظر تخريج ما بقي من طرق حديث ابن عمر في حديث رقم (1430، 1431، 1444) من هذا الكتاب. وانظر إتحاف المهرة (11130، 10902، 11322، 11461).
عبد الله، فتيمم صعيداً طيباً، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى
(1)
.
وإسناده في غاية الصحة.
(1431 - 63) ورواه ابن المنذر من طريق أيوب، عن نافع به، بلفظ:
عن ابن عمر أنه أقبل من أرضه بالجرف، حتى إذا كان مربد النعم، حضرت صلاة العصر، فتيمم، وإنه لينظر إلى بيوت المدينة
(2)
.
وهو أصح شيء ورد في الباب حسب علمي، والله أعلم.
وقول محمد بن مسلمة من المالكية: " إنما تيمم عبد الله بالمربد، وهو بطرف المدينة؛ ولم ينتظر الماء؛ لأنه خاف فوات الوقت "
(3)
، فيشكل عليه
(1)
الموطأ (1/ 58)، ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق (883)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 114)، والدارقطني (1/ 181)، والبيهقي (1/ 207).
وانظر إتحاف المهرة (11130). وانظر لاستكمال تخريج طرق الحديث رقم (1329، 1444)
(2)
الأوسط (2/ 34)، وهو في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 146) رقم 1673 عن ابن علية، عن أيوب به بنحوه. وإسناده صحيح.
ورواه الشافعي في الأم (1/ 45) ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1/ 61) والبيهقي في الكبرى (1/ 224) عن ابن عيينة.
ورواه الدارقطني (1/ 186) من طريق فضيل بن عياض،
ورواه عبد الرزاق (884) عن الثوري، ثلاثتهم:(ابن عيينة وفضيل والثوري) عن ابن عجلان، عن نافع به، بنحوه. وإسناده حسن.
ورواه عبد الرزاق (884) عن الثوري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع به. وسنده صحيح.
وانظر مزيد بحث لهذا الأثر في حديث رقم (1429، 1444).
(3)
المنتقى للباجي (1/ 113).
أن نافعاً قال: دخل المدينة، والشمس مرتفعة.
وأجاب الباجي في المنتقى على هذا الإشكال، فقال: يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد بقوله: والشمس مرتفعة: أي أنها مرتفعة عن الأفق، لم تغب بعد، إلا أن الصفرة قد دخلتها، فخاف فوات وقت الصلاة المختار.
الوجه الثاني: أن يكون عبد الله قد رأى أنه لا يدخل المدينة حتى يخرج الوقت، فتيمم على هذا الاجتهاد، وصلى، ثم تبين له أنه كان في فسحة من الوقت، فلم يعد "
(1)
.
قلت: هذا كله تأويل للأثر، ومن قبيل الحدس، ولا أظن أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه لا يدري أنه يدخل المدينة قبل خروج الوقت، خاصة وأنه ينظر إلى بيوت المدينة حين تيمم.
(1432 - 64) أما ما رواه الطبراني من طريق المهيمن بن عباس، عن أبيه،
عن جده، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يأتون العالية، فيدركون المغرب عند مربد النعم، فيتيممون
(2)
.
[فإسناده ضعيف]
(3)
.
(1)
انظر المرجع السابق.
(2)
المعجم الكبير (6/ 124) رقم: 5715.
(3)
في إسناده عبد المهيمن بن عباس بن سهل، جاء في ترجمته:
قال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (6/ 137).
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (386).
وقال أيضاً: ليس بثقة. تهذيب التهذيب (6/ 383).
وقال ابن حبان: ينفرد عن أبيه بأشياء مناكير، لا يتابع عليها من كثرة وهمه، فلما فحش ذلك في روايته بطل الاحتجاج به. المجروحين (2/ 149).
وفي التقريب: ضعيف.