الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع:
التيمم من خصائص الأمة المحمدية
التيمم من الخصائص التي اختص الله بها هذه الأمة، وقد دل على ذلك السنة والإجماع.
أما السنة،
(1372 - 5) فقد روى البخاري من طريق هشيم، قال: أخبرنا سيار، قال: حدثنا يزيد - هو ابن صهيب الفقير - قال:
أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل
…
"الحديث
(1)
.
ورواه مسلم من طريق هشيم به، بلفظ:" وجعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً "
(2)
.
(1373 - 6) وروى مسلم في صحيحه من طريق العلاء بن
عبد الرحمن، عن أبيه،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (335).
(2)
مسلم (521).
(3)
مسلم (523).
(1374 - 7) وروى مسلم أيضاً من طريقين عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي،
عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلنا على الناس بثلاث
(1)
:
جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء، وذكر خصلة أخرى
(2)
.
قال ابن عبد البر - رحمه الله تعالى -: " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: جعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً " في تعديد فضائله صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(3)
،
(1)
اختلاف الأحاديث، ففي بعضها: أعطيت خمساً، وفي بعضها: ستاً، وفي بعضها: ثلاثاً، أجاب عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح تحت حديث (335)، فقال:" طريق الجمع أن يقال: لعله اطلع أولاً على بعض ما اختص به، ثم اطلع على الباقي. ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله ". اهـ
قلت: الراجح أن العدد لا مفهوم له، وإنما هو طريقة من طرق الحفظ والتعليم.
(2)
مسلم (522). قال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 437): " قوله: " فضلنا على الناس بثلاث: ظاهره أنه ذكر ثلاث خصال، وإنما هي اثنتان كما ذكر؛ لأن قضية الأرض كلها خصلة واحدة، والثالثة التي لم تذكر بينها النسائي من رواية أبي مالك بسنده هنا، وقال: وأتيت هذه الآيات من خواتم البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن أحد قبلي، ولا يعطهن أحد بعدي" اهـ.
(3)
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه أحمد (1/ 98)، وابن أبي شيبة
(6/ 304) رقم: 31647، والبزار (656) من طريق زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي،
عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، =
وابن عباس
(1)
، وجابر
(2)
، وأبي هريرة
(3)
، وأبي موسى
(4)
،
وحذيفة
(5)
، وهي آثار كلها صحاح ثابتة، كرهت ذكرها بأسانيدها خشية الإطالة، وقد ذكرها كلها أو أكثرها أبو بكر ابن أبي شيبة في أول كتاب الفضائل"
(6)
.
وأما الإجماع، فقد نقل الإجماع طائفة من أهل العلم.
= وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم ".
رجاله ثقات إلا ابن عقيل، فإن أكثر العلماء على ضعفه، وإنما يتقى من حديثه ما ينفرد به، وهذا الحديث له شواهد كثيرة، فأرجو أن يكون ابن عقيل قد حفظ هذا الحديث، والله أعلم.
(1)
سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في آخر هذا الفصل.
(2)
تقدم تخريجه في أول الفصل، وأنه في الصحيحين.
(3)
تقدم تخريجه، وأنه في صحيح مسلم.
(4)
الحديث رواه إسرائيل، واختلف عليه فيه:
فرواه حسين بن محمد المروذي كما في مسند أحمد (4/ 416) عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى موصولاً.
وتابعه على وصله عبيد الله بن موسى في مصنف ابن أبي شيبة (6/ 304)، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل به.
وخالفهما أبو أحمد الزبيري كما في مسند أحمد موصولاً بالرواية السابقة، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر معناه، ولم يسنده.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 258): " رواه أحمد متصلاً ومرسلاً، ورجاله رجال الصحيح ".
(5)
تقدم تخريجه، وهو في صحيح مسلم.
(6)
التمهيد (5/ 223).
قال في منح الجليل: " وهو من خصائص هذه الأمة إجماعاً "
(1)
.
وقال الصاوي: "وهو من خصائص هذه الأمة اتفاقاً، بل إجماعاً "
(2)
.
وقال الحطاب: " وانعقد الإجماع على مشروعيته، وعلى أنه من خصائص هذه الأمة لطفاً من الله بها، وإحساناً "
(3)
.
كما صرح جملة من العلماء على أن التيمم من خصائص هذه الأمة، وإن لم ينصوا على ذكر الإجماع، منهم: ابن الهمام في فتح القدير
(4)
وابن نجيم في البحر الرائق
(5)
، وابن عابدين في حاشيته
(6)
، وهؤلاء من الحنفية.
ومن المالكية: الخرشي في شرحه لمختصر خليل
(7)
، والنفرواي في الفواكه الدواني
(8)
، والقرافي في الذخيرة
(9)
.
ومن الشافعية: العراقي في طرح التثريب
(10)
،، وقليوبي وعميرة في حاشيتهما
(11)
.
(1)
منح الجليل (1/ 143).
(2)
حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 179).
(3)
مواهب الجليل (1/ 325).
(4)
شرح فتح القدير (1/ 137).
(5)
البحر الرائق (1/ 163).
(6)
حاشية ابن عابدين (1/ 229).
(7)
الخرشي (1/ 184).
(8)
الفواكه الدواني (1/ 152).
(9)
الذخيرة (1/ 334).
(10)
طرح التثريب (2/ 111).
(11)
حاشيتا قليبوبي وعميرة (1/ 88).
ومن الحنابلة: ابن مفلح في الفروع
(1)
،،، والبهوتي في كشاف القناع
(2)
.
وغيرهم خلق كثير من حملة العلم الشرعي تركتهم اقتصاراً واختصاراً.
قال النفرواي: " وهو من خصائص هذه الأمة؛ لأن الأمم السابقة لا تصلي إلا بالوضوء، كما أنها كانت لا تصلي إلا في أماكن مخصوصة يعينونها للصلاة، ويسمونها بيعاً وكنائس وصوامع، ومن عدم منهم الماء، أو غاب عن محل صلاته يدع الصلاة حتى يجد الماء، أو يعود إلى مصلاه "
(3)
.
وذكر اللالكائي في كتابه اعتقاد أهل السنة: " جعلت له ولأمته الأرض مسجداً، وكان غيره من الأنبياء لا تجزئ صلاته إلا في كنائسهم وبيعهم" وقال أيضاً: " وجعل التراب له ولأمته طهوراً إذا عدم الماء "
(4)
.
ونقل الحافظ عن ابن التين قوله:: " المراد جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وجعلت لغيري مسجداً، ولم تجعل له طهوراً؛ لأن عيسى كان يسبح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال وسبقه إلى ذلك الداودي "
(5)
.
وقال القاضي عياض: " وأما اختصاصه بكون الأرض له مسجداً وطهوراً، فيدل أن التيمم لم يشرع لغيره قبله، وأما كونها مسجداً فقيل:
(1)
الفروع (1/ 366)،
(2)
كشاف القناع (1/ 160).
(3)
الفواكه الدواني (1/ 152).
(4)
اعتقاد أهل السنة (4/ 782).
(5)
الفتح، تحت حديث رقم (335).
إن من كان قبله من الأنبياء كانوا لا يصلون إلا فيما أيقنوا طهارته من الأرض، وخص نبينا وأمته بجواز الصلاة على الأرض إلا ما تيقنت نجاسته منها"
(1)
.
قال الحافظ: " والأظهر ما قاله الخطابي: وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: " وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم "
(2)
، وهذا
(1)
إكمال المعلم (2/ 437).
(2)
هذا الحديث رواه أحمد في مسنده (2/ 222) من طريق ابن الهاد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، قام من الليل يصلي، فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى وانصرف إليهم، فقال لهم: لقد أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي: أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة، وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه، ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملئ منه رعباً، وأحلت لي الغنائم أكلها، وكان من قبلي يعظمون أكلها، كانوا يحرقونها، وجعلت لي الأرض مساجد وطهوراً، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي يعظمون ذلك، إنما كانوا يصلون في كنائسهم، والخامسة، هي ما هي؟ قيل لي: سل، فإن كل نبي قد سأل، فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم، ولمن شهد أن لا إله إلا الله.
وهذا الحديث إسناده حسن إن شاء الله تعالى، وله شواهد كثيرة في الصحيح وفي غيره، والله أعلم.
قال ابن كثير في تفسيره (2/ 256): " إسناد جيد قوي، ولم يخرجوه ".
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (5498): رواه أحمد بإسناد صحيح. اهـ
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 367): رواه أحمد، ورجاله ثقات. اهـ
نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية.
ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس
(1)
بنحو حديث الباب فيه: "ولم يكن من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه "
(2)
.
(1)
رواه البزار (2366) و (2441) والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 114) والبيهقي في السنن (2/ 433)، وفي دلائل النبوة (5/ 473) من طريق عبيد الله بن موسى، عن سالم أبي حماد، عن السدي،، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وفي إسناده سالم أبو حماد، قال أبو حاتم: شيخ مجهول، لا أعلم روى عنه غير عبيد الله ابن موسى. الجرح والتعديل (4/ 192).
وذكره ابن حبان في الثقات (6/ 411).
وقال الذهبي في المغني (1/ 365): مجهول.
وقال في ميزان الاعتدال (2/ 111): حديث منكر.
وسكت عليه الحافظ في الفتح، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 258):" رواه البزار، وفيه من لم أعرفهم ".
كما أن في إسناده السدي، صدوق يهم.
وقد جاء الحديث من مسند ابن عباس بإسناد أمثل من هذا، ولكن ليس فيه (لا يصلي حتى يبلغ محرابه)، انظر مسند أحمد (1/ 301)، ومصنف ابن أبي شيبة (6/ 303)، وابن أبي عاصم في السنة (803)، والبزار كما في كشف الأستار (3460).
(2)
الفتح، تحت حديث رقم (335).