الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث:
في الماء يباع بأكثر من ثمنه هل يجب شراؤه أو يتيمم
؟
إذا وجد الرجل الماء يباع، فإما أن يباع بأكثر من ثمنه، أو يباع بثمنه بدون زيادة،
فإن بيع بثمنه، وهو واجد للثمن، غير محتاج إليه لزمه شراؤه، كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة
(1)
.
وقال النووي: يلزمه شراؤه بلا خلاف
(2)
.
وقيل: ليس عليه شراؤه لا بما قل ولا بما كثر، فإن اشتراه لم يجز الوضوء به، ولا الغسل، وفرضه التيمم، وله أن يشتريه للشرب إن لم يعطه بلا ثمن. وهو اختيار ابن حزم رحمه الله
(3)
.
(1405 - 38) واستدل ابن حزم رحمه الله بما رواه مسلم من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير،
عن جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء
(4)
.
(1)
انظر: شرح العناية على الهداية (1/ 142)، بدائع الصنائع (1/ 48 - 49)، شرح فتح القدير لابن الهمام (1/ 142)، المدونة (1/ 46)، حاشية الدسوقي (1/ 53)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 188)، منح الجليل (1/ 148)، الخرشي (1/ 189)، المجموع (2/ 293)، الإنصاف (1/ 269)، الكافي (1/ 66)، كشاف القناع (1/ 165).
(2)
المجموع (2/ 292).
(3)
المحلى (1/ 360) مسألة: 241.
(4)
صحيح مسلم (1565).
(1406 - 39) وبما رواه ابن ماجه من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار
(1)
.
[إسناده صحيح]
(2)
.
وإنما جعل الشرع الناس شركاء في الماء، والكلأ والنار؛ لأنها أسباب الحياة: حياة الإنسان، وحياة الحيوان، وما كان سبباً في حياة الناس فلا يجوز احتكاره كالهواء.
وهذه المسألة: أعني بيع فضل الماء فيه خلاف بين الفقهاء، ومحل تحرير هذه المسألة في كتاب البيع، ويكفي الإشارة في ذلك إلى الأقوال الفقهية، وسوف تحرر هذه المسألة بإذن الله تعالى في مظانها من كتاب البيوع، بلغنا الله ذلك سريعاً بمنه وكرمه، إنه ولي ذلك، والقادر عليه، فأقول:
قال القرطبي في المفهم: " المسلمون مجمعون على أن الإنسان إذا أخذ الماء من النيل مثلاً فقد ملكه، وأن له بيعه، وأما ماء الأنهار والعيون وآبار الفيافي التي ليست بمملوكة فالاتفاق حاصل على أن ذلك لا يجوز منعه، ولا
(1)
سنن ابن ماجه (2473).
(2)
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 81): " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، محمد بن عبد الله بن يزيد المقري أبو يحيى، وثقه النسائي، وابن أبي حاتم، ومسلمة الأندلسي، والخليلي، وغيرهم، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين ".
وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (1304).
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 298): رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
بيعه، ولا يشك في تناول أحاديث النهي لذلك، وأما فضل ماء في ملك فهذا هو محل الخلاف، فهل يجبر على بذل فضله، أو لا يجبر، وإذا أجبر فهل هو بالقيمة أم لا؟ وسبب الخلاف معارضة النهي عن بيع فضل الماء لأصل الملكية، وقياس الماء على الطعام إذا احتيج إليه ".
فالماء إذا كان نابعاً في أرض مباحة فهو مشترك بين الناس، وإن كان نابعاً في ملك رجل، فهل يجوز بيعه، أو لايجوز، فيه خلاف، والخلاف مبني على مسألة أخرى: هل يملك أو لا يملك؟
ومذهب الجمهور على أن الإنسان إذا حاز الماء من البئر واستخرجه منه فقد ملكه، وجاز له بيعه،
(1407 - 40) واستدلوا بما رواه البخاري في صحيحه،
من حديث الزبير ابن العوام، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يأخذ أحدكم أحبلاً، فيأخذ حزمة من حطب، فيبيع، فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس، أعطي أم منع
(1)
.
فإذا أذن الشرع في بيع الحطب، مع أن الشرع جعل الناس شركاء في الكلأ، فيحمل ذلك على أن الأمر قبل احتطابه، فكذلك الماء، إذا استخرجه من البئر في الأرض المباحة جاز له بيعه، وإن كانت البئر في أرضه فهو أحق بالماء إذا كان محتاجاً إليه، وإن كان غير محتاج إليه وجب بذله، ولا يجوز بيعه، ما دام الماء نقعاً في البئر، والله أعلم
(2)
.
(1)
البخاري (2373).
(2)
القول الذي ذكرناه هو قول الجمهور، وأنه لا يجوز بيع الماء ما دام في البئر، مستدلين بعموم الأحاديث السابقة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء. =
هذا فيما يتعلق بالخلاف في جواز شراء الماء للوضوء، وأن الراجح مذهب الجمهور، وهو جواز شراء الماء للوضوء، وصحة بيع الماء إذا حازه الإنسان من الآبار ونحوها. وحتى لو صححنا مذهب ابن حزم رحمه الله في عدم جواز بيع الماء للتيمم، فإن الإنسان إذا منع حقه، فاشتراه فإن له أن يتوضأ به، والإثم على من منع بذله إلا بالمال، مثله مثل ما إذا احتاج إلى كلب صيد، ولم يبذل له إلا بالمال فإن له أن يشتريه، والإثم على من منعه بذل هذا الكلب إلا بالبيع.
= ولأن مياه الآبار في الأعم الأغلب متصلة بالمجرى العام للمياه، فهي تأتي إليه من غير أرضه إلى ملكه، فأشبه الماء الجاري في النهر يأتي إلى ملكه، فله حاجته منه، وما فضل يجب بذله، وهذا القول هو قول في مذهب الحنفية، ومذهب المالكية والحنابلة.
انظر بدائع الصنائع (6/ 188)، الذخيرة (6/ 166)، التمهيد (13/ 128)، المغني لابن قدامة (4/ 71)، الكافي في فقه أحمد (2/ 445)، المبدع (5/ 253)، المحرر (1/ 368).
وذهب الشافعية إلى أنه يجوز له أن يمنع الناس منه ما دام أن الماء قد نبع في ملكه، انظر روضة الطالبين (5/ 310)، المهذب (1/ 428).
وقال النووي في شرح مسلم (1565): واعلم أن المذهب الصحيح أن من نبع في ملكه صار مملوكاً له، وحملوا حديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء، إما على أن النهي للتنزيه، أو يحمل حديث جابر على حديث أبي هريرة في مسلم (1566):" لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ " فيكون معنى الحديث أن تكون لإنسان بئر مملوكة في أرض موات، لا مالك لها، وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذه، فلا يمكن لأصحاب المواشي رعيه إلا إذا حصل لهم السقي من هذه البئر، فيحرم عليه منع فضل هذا الماء للماشية، ويجب بذله لها بلا عوض؛ لأنه إذا منع بذله امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ خوفاً على مواشيهم من العطش، ويكون بمنعه الماء مانعاً من رعي الكلأ، وعليه قال الشافعي: يجب بذل الماء بالفلاة بشروط: الأول: أن لا يكون هناك ماء آخر يستغنى به. الثاني: أن يكون بذل الماء لحاجة الماشية، لا لسقي الزرع. الثالث: أن لا يكون مالكه محتاجاً إليه.
ومذهب الجمهور أصح، والله أعلم.
هذا فيما يتعلق بالخلاف فيما إذا وجد الماء يباع من غير زيادة في ثمنه.
وإن وجد الرجل الماء يباع بأكثر من ثمنه، فهل يجب عليه شراؤه، أو يتيمم؟
اختلف أهل العلم في هذا.
فقيل: يلزمه الشراء، ولو كان بجميع ماله، ذهب إلى هذا الحسن البصري رحمه الله تعالى
(1)
.
وقيل: إذا زاد ثمن الماء عن قيمته، فإن كان الغبن يسيراً، وجب عليه شراؤه، وإن كان فاحشاً فله أن يتيمم، وهذا هو مذهب الحنفية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
ونظر المالكية إلى اعتبار المشتري، فقالوا: إن كان قليل الدراهم تيمم، أي حتى ولو عرض الماء بثمن المثل، وإن كان يقدر على الشراء فليشتره ما لم يرفعوا عليه في الثمن
(4)
.
(1)
ذكر هذا مذهباً للحسن البصري رحمه الله كل من صاحب المجموع (2/ 293)، وبدائع الصنائع (1/ 48)،.
(2)
واختلف الحنفية في تفسير الفاحش، ففي النوادر: جعله في تضعيف الثمن، وقال بعضهم: هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين. انظر شرح العناية على الهداية (1/ 142)، بدائع الصنائع (1/ 48 - 49)، شرح فتح القدير لابن الهمام (1/ 142).
(3)
قال في الإنصاف (1/ 269): " يباح له التيمم إذا وجد الماء يباع بزيادة كثيرة على ثمن مثله، هذا المذهب. ثم قال: ومفهو قوله: " إلا بزيادة كثيرة، أن الزيادة لو كانت يسيرة يلزمه شراؤه، وهو الصحيح، وهذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب". اهـ وانظر شرح منتهى الإرادات (1/ 92).
(4)
جاء في المدونة (1/ 46): " وسألت مالكاً عن الجنب لا يجد الماء إلا بثمن؟ قال: إن كان قليل الدراهم، رأيت أن يتيمم، وإن كان موسعاً عليه يقدر، رأيت أن يشتري ما لم =