الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثلاثاء سلخ شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وصلّى عليه القادر بالله فى دار الخلافة وكبّر خمسا، وتحدّث الناس فى ذلك فقال: هكذا يصلى على الخلفاء! ودفن بالرصافة، ويقال: إن القادر بالله شيّع جنازته إليها ورثاه الشريف الرّضىّ بقصيدته التى أولها:
ما بعد يومك ما يسلو به السّالى
…
ومثل يومك لم يخطر على بالى
وكان مولده فى سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان أبيض مربوعا حسن الجسم، وكان أنفه كبيرا جدا، وكان شديد القوة كثير الإقدام، ولم يكن له من الحكم فى ولايته ما يعرف به حاله ويستدلّ على سيرته.
ذكر خلافة القادر بالله
هو أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله أبى الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبى أحمد بن الموفق، وأمه أم ولد اسمها دمنة وقيل تمنى «1» ، وهو الخليفة الخامس والعشرون من الخلفاء العباسيين.
وبويع له فى يوم خلع الطائع لثمان/ بقين من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وكان يوم ذاك بالبطيحة «2» عند مهذّب الدولة أميرها.
وكان سبب توجهه إليها أن إسحاق بن المقتدر والد القادر لما توفى جرى بين القادر وبين أخيه منازعة فى ضيعة، وطال الأمر بينهما.
ثم إن الطائع لله مرض مرضا شديدا أشفى «1» منه ثم أبلّ «2» فسعت إليه بأخيها القادر وقالت: إنه شرع فى طلب الخلافة عند مرضك! فتعيّر رأيه فيه، وأنفذ أبا الحسن ابن حاجب النّعمان وغيره للقبّض عليه وكان بالحريم الطاهرى، فأصعدوا فى الماء إليه.
وكان القادر قد رأى فى منامه كأن رجلا يقرأ عليه..
«الّذين قال لهم النّاس إن النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل» «3» فهو يحكى هذا المنام لأهله ويقول: أنا خائف من طلب يطلبنى! ووصل أصحاب الطائع لله وقبضوا عليه، فأراد لبس ثيابه فمنعوه ولم يمكّنوه من مفارقتهم، فأخذه النساء منهم قهرا وخرج من داره واستتر وذلك فى سنة تسع وسبعين. ثم سار إلى البطيحة فسار فنزل على مهذب الدولة، فأكرم نزله ووسّع عليه وبالغ فى خدمته، ولم يزل عنده حتى أفضى إليه الأمر فجعل علامته «حسبنا الله ونعم الوكيل» .
قال «4» : ولما قبض على الطائع ذكر/ بهاء الدولة من يصلح
للخلافة فاتفقوا على القادر بالله، فأرسل بهاء الدولة خواص أصحابه ليحضروه إلى بغداد.
وشغب الجند والدّيلم ببغداد، ومنعوا من الخطبة له، فقيل على المنبر: اللهمّ أصلح عبدك وخليفتك القادر بالله! ولم يذكر اسمه، ثم أرضاهم بهاء الدولة «1» .
قال «2» : ولما وصل الرسول إلى القادر بالله كان فى تلك الساعة يحكى مناما رآه فى تلك الليلة هو ما حكاه عبد الله بن عيسى كاتب مهذّب الدولة قال: كنت أحضر عند القادر بالله كلّ أسبوع مرتين، فكان يكرمنى، فدخلت عليه يوما فوجدته قد تأهب لم تجر به عادته، ولم أرمنه ما ألفت من كرامته «3» فاختلفت بى الظنون، فسألته عن سبب ذلك فإن كان لزلّة منى اعتذرت عن نفسى فقال:
«بل رأيت البارحة فى منامى كأن نهركم هذا نهر الصليق قد اتّسع فصار مثل دجلة دفعات، فسرت على جانبه متعجبا منه، ورأيت عليه قنطرة عظيمة فقلت من قد حدّث نفسه بعمل هذه القنطرة على هذا البحر العظيم؟ ثم صعدتها- وهى محكمة- فبينا أنا عليها أتعجب منها إذ رأيت شخصا يتأملنى من ذلك الجانب فقال: أتريد أن تعبر؟ قلت: نعم، فمد يده حتّى وصلت إلىّ فأخذنى وعبربى فهالنى، وتعاظمنى فعله، فقلت:/ من أنت؟ قال: علىّ بن