الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عود محمد بن رائق الى بغداد وولايته إمرة الأمراء
كان سبب عوده أن الأتراك البجكمية لما ساروا إلى الموصل لم يروا عند ابن حمدان ما يريدون، فساروا نحو الشام إلى ابن رائق، وكان فيهم من القوّاد توزون وجخجخ ونوشتكين وصيغون. فلما وصلوا إليه أطمعوه فى العود إلى العراق، ثم وصل إليه كتب المتقى تستدعيه، فسار من دمشق فى العشرين من شهر رمضان واستخلف على الشام أبا الحسن أحمد بن على بن مقاتل، وسار حتّى وصل إلى الموصل فتنحّى عن طريقه ناصر الدولة.
ابن حمدان، ثم تراسلا وتصالحا على مائة ألف دينار يحملها [ناصر الدولة]«1» ابن حمدان إليه.
وسار ابن رائق إلى بغداد، وخرج كورتكين إلى عكبرا، ووصل/ إليه ابن رائق فوقعت الحرب بينهما عدّة أيام. فلما كان ليلة الخميس لتسع بقين من ذى الحجة سار ابن رائق ليلا من عكبرا هو وجيشه فأصبح ببغداد، فدخلها من الجانب الغربى، ونزل فى النجمى، وعبر من الغد إلى الخليفة فلقبه، وركب المتقى معه.
ووصل فى هذا اليوم بعد الظهر كورتكين من الجانب الشرقى بجميع جيشه وهم يستهزئون بأصحاب ابن رائق ويقولون:
أين نزلت هذه القافلة الواصلة من الشام؟ ولما دخل كورتكين
بغداد أيس «1» ابن رائق من ولايتها وعزم على العود، وأمر بحمل أثقاله فرفعت، ثم عزم على أن يناوشهم شيئا من قتال قبل مسيره، فأمر طائفة من عسكره أن يعبروا دجلة ويأتوا الأتراك من ورائهم. ثم ركب هو فى سميرية وركب معه عدّة من أصحابه فى عشرين سميرية ووقفوا يترامون بالنشاب، ووصل أصحابه وصاحوا من خلفهم، واجتمعت العامة وصاحوا على أصحاب كورتكين فانهزم هو وأصحابه واختفى هو. ورجمتهم العامّة بالآجرّ وغيره، وقوى أمر ابن رائق، وقتل من أساء إليه من الدّيلم وكانوا نحو أربعمائة، وقتل من قوادهم بضعة عشر رجلا، وخلع عليه المتقى وجعله أمير الأمراء، ثم ظفر بكورتكين فحبسه بدار الخليفة.
وفى هذه السنة فى شوال استوزر المتقى لله/ أبا إسحاق محمد ابن أحمد الإسكافى المعروف بالقراريطى بعد عود البريدى، وجعل بدرا الخرشنى «2» حاجبه، فبقى وزيرا إلى الخامس والعشرين من ذى القعدة فقبض عليه كورتكين واستوزر بعده أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخى، فبقى وزيرا إلى الثامن والعشرين من ذى الحجة منها فعزله ابن رائق، ودبّر الأمور أبو عبد الله أحمد الكوفى كاتب ابن رائق من غير تسمية بوزارة.
وفيها انقطع الغيث بالعراق فاستسقى الناس فى شهر ربيع الأول فسقوا مطرا قليلا لم يجر منه ميزاب، فاشتد الغلاء والوباء وكثر الموت حتى دفن الجماعة فى القبر الواحد من غير غسل ولا صلاة عليهم، ورخص العقار والأثاث ببغداد حتى بيع ما ثمنه دينار بدرهم، وانقضى تشرين الأول وتشرين الثانى وكانون الأول وكانون الثانى وشباط الأول ولم يمطر الناس غير المطرة التى كانت عند الاستسقاء، ثم جاء المطر فى آذر ونيسان.
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزى فى سبب هذا المطر بسند رفعه إلى أبى محمد الصّليحى «1» الكاتب أنه قال: لما نادى المتقى فى زمن خلافته فى الأسواق أن أمير المؤمنين يقول لكم معشر رعيته: إنّ امرأة صالحة رأت النبىّ صلى الله عليه وسلم فى منامها فشكت/ احتباس المطر فقال لها: «قولى للناس يخرجون فى يوم الثلاثاء الأدنى ويستسقون ويدعون فإنه يسقيهم فى يومهم» وإن أمير المؤمنين يأمركم كما أمركم رسول الله صلى الله وسلم عليه، وأن تدعوا وتستسقوا بإصلاح من نيّاتكم وإقلاع عن ذنوبكم- قال- فأخبرنى الجمّ الغفير «2» أنهم لما سمعوا النداء ضجّت الأسواق بالبكاء والدعاء، فشق ذلك علىّ وقلت: «منام امرأة لا ندرى ما تأويله، هل يصحّ أم لا، ينادى به فى الأسواق فى مدينة السلام، فإن لم يسقوا كيف يكون