الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان إذ ذاك بالرقة- فبايع له الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان ابن وهب، وكتب له يعلمه بوفاة أبيه وأخذ البيعة له.
فلما وصله الخبر، أخذ البيعة على من عنده من الأجناد، ووضع لهم العطاء، وسار إلى بغداد، ووجّه إلى النواحى بديار ربيعة ومضر ونواحى العرب «1» من يضبطها. ودخل بغداد لثمان خلون من جمادى الأولى، فلما صار إلى منزله أمر بهدم المطامير التى. كان أبوه اتخذها لأهل الجرائم
ذكر قتل بدر غلام المعتضد بالله
وكان سبب قتله أنّ القاسم- الوزير- كان قد همّ بنقل الخلافة إلى غير ولد المعتضد بعده، فقال لبدر ذلك فى حياة المعتضد بعد أن استحلفه أن يكتم عليه فقال بدر: ما كنت لأصرفها عن ولد مولاى وولىّ نعمتى! فلم يمكنه مخالفته لأنه صاحب الجيش، وحقدها عليه فلما مات المعتضد كان بدر بفارس فعقد القاسم البيعة للمكتفى، وعمل على هلاك بدر خوفا على نفسه أن يذكر للمكتفى ما كان منه.
وكان المكتفى مباعدا لبدر فى حياة المعتضد، فوجّه إلى القوّاد الذين مع بدر يأمرهم بمفارقته والمصير إليه، ففارقه جماعة وأقبلوا إلى المكتفى فأحسن إليهم.
وسار بدر إلى الموصل وواسط فوكل المكتفى بداره، وقبض
على أصحابه وقواده فحبسهم، وأمر بمحو اسمه من الأعلام والتّراس «1» . وسير الحسن بن على إلى كورة «2» واسط فى جيش، وأرسل بدر يعرض عليه أىّ النواحى شاء، فأبى ذلك وقال: لا بدّ من المصير إلى باب مولاى! فوجد القاسم مساغا للقول «3» ، وخوّف المكتفى غائلته.
وبلغ بدرا ما فعل بأصحابه فأرسل من يأتيه بولده هلال سرّا، فعلم الوزير بذلك فاحتاط عليه، ودعا قاضى الجانب الشرقىّ وأمره بالمسير إلى بدر وأن يطيّب قلبه عن المكتفى ويعطيه الأمان على نفسه وولده وماله، فقال القاضى أبو حازم: أحتاج إلى سماع ذلك من أمير المؤمنين! فصرفه ودعا أبا عمر القاضى، وأمره بمثل ذلك فأجابه، وسار بكتاب الأمان. فسار بدر عن واسط إلى إلى بغداد فأرسل إليه الوزير من قتله، فلما أيقن بالقتل سأله المهلة إلى أن يصلّى ركعتين، فأمهل حتى صلاهما. وضربت عنقه يوم الجمعة لستّ خلون من رمضان، وأخذ رأسه وتركت جثته هنالك، فوجّه عياله من أخذها سرا وجعلوها فى تابوت، فلما كان وقت الحجّ حملوها إلى مكة فدفنوها بها- وكان أوصى بذلك- وأعتق كلّ مملوك له. ورجع أبو عمر إلى داره كئيبا لما كان منه، وقال الناس فيه الشعر، فمن ذلك قول بعضهم:
قل لقاضى مدينة المنصور
…
كيف أحللت أخذ رأس الأمير «1»
عند إعطائه المواثيق والعه
…
د وعقد الأيمان فى منشور «2»
أين أيمانك التى شهد اللّ
…
هـ على أنها يمين فجور
إنّ كفيك لا تفارق كفّي
…
هـ إلى أن ترى مليك السرير «3»
يا قليل الحياء يا أكذب الأم
…
ة.. يا شاهدا شهادة زور
ليس هذا فعل القضاة ولا يح
…
سن أمثاله ولاة الجسور
أىّ أمر ركبت فى الجمعة الزّه
…
راء منه فى خير هذى الشهور «4»
قد مضى من قتلت فى رمضان
…
صائما بعد سجدة التغفير
يا بنى يوسف بن يعقوب أضحى
…
أهل بغداد منكم فى غرور
بدّد الله شملكم وأرانى
…
ذلّكم فى حياة هذا الوزير
فأعدوا الجواب للحكم العا
…
دل من بعد منكر ونكير «5»
أنتم كلكم فداء أبى حا
…
زم المستقيم كلّ الأمور «6»
وفيها «7» لحق إسحاق الفرغانى- وهو من أصحاب بدر-
بالبادية وأظهر الخلاف على الخليفة المكتفى، فحاربه أبو الأغرّ «1» فهزمه إسحاق وقتل جماعة من أصحابه.
وفيها خلع المكتفى على هلال بن بدر وغيره من أصحاب أبيه فى جمادى الأولى.
وفيها فى فصل الصيف هبت ريح باردة بحمص وبغداد من جهة الشمال، فبرد الوقت واشتد البرد حتى جمد الماء، واحتاج الناس إلى النار. وفيها هبت ريح عاصفة بالبصرة قلعت كثيرا من نخلها، وخسف بموضع هلك فيه. ستون ألف نفس. وزلزلت بغداد فى شهر رجب عشر مرات فتضرّع الناس فى الجامع فسكنت. وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمى «2» ودخلت سنة تسعين ومائتين: فى هذه السنة اشتد أمر القرامطة، فجاء أهل الشام ومصر إلى المكتفى يشكون ما يلقون من القرمطى «3» من الأسر والسّبى والتخريب؛ فأمر الجند بالتأهب، وخرج من بغداد فى شهر رمضان، وقدم بين يديه أبا الأغرّ فى
عشرة آلاف، وسار إلى الشام وجعل طريقه على الموصل.
فنزل أبو الأغرّ بالقرب من حلب «1» ، فكبسهم القرمطى صاحب الشامة «2» فقتل منهم خلقا كثيرا. ودخل أبو الأغر حلب فى ألف رجل وذلك فى شهر رمضان، وسار القرمطى إلى باب حلب فحاربه أبو الأغرّ بمن بقى معه وأهل البلد، فرجع عنهم. وسار المكتفى حتى نزل الرّقّة، وسيّر الجيوش إليه وجعل أمرهم إلى محمد بن سليمان الكاتب، وكان للقرامطة حروب كثيرة ووقائع نذكرها- إن شاء الله تعالى- فى أخبارهم «3» .
وفيها أراد المكتفى البناء بسامرّاء، وخرج إليها ومعه الصناع فقدّروا ما تحتاج إليه فكان ما لا جزيلا، فعظّم الوزير ذلك عليه وصرفه عنها، ورجع إلى بغداد.. وحجّ بالناس الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن عبيد الله العباسى.
ودخلت سنة إحدى وتسعين ومائتين: فى هذه السنة سار من طرسوس غلام زرافة «4» نحو بلد الروم ففتح مدينة أنطاكية عنوة بالسيف؛ فقتل خمسة آلاف وأسر نحوهم، واستنقذ من الأسارى خمسة آلاف، وأخذ لهم ستين مركبا حمّلها ما غنم من الأموال، وقدّر نصيب كلّ رجل فكان ألف دينار.
وفيها مات الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان «1» . وحج بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الملك.
ودخلت سنة اثنتين وتسعين ومائتين: فى هذه السنة انقرضت الدولة الطولونية، واستولى المكتفى بالله على ما بأيديهم بمصر والشام.
وأرسل محمد بن سليمان الكاتب إلى مصر بمواطأة قوّاد هارون بن خمارويه فتوجّه، وقاتله هارون فقتل هارون، واستولى ابن سليمان على مصر، على ما نذكر ذلك مبيّنا- إن شاء الله تعالى- فى أخبار الدولة الطولونية.
قال»
: وكتب ابن سليمان بالفتح إلى المكتفى بالله، فأمر باشخاص آل طولون إلى بغداد ففعل ذلك، وولى معونة مصر عيسى النّوشرى. ثم ظهر بمصر رجل يعرف بالخليجى «3» - وهو من قواد الدولة الطولونية- فخالف على الخليفة وكثر جمعه، وعجز النّوشرىّ عنه فتوجّه إلى الإسكندرية، ودخل إبراهيم الخليجى مصر. فسيّر إليه المكتفى الجنود مع فاتك «4» - ولى المكتفى- وبدر الحماص، فساروا فى شوّال فوصلوا حدود مصر
فى صفر سنة ثلاث وتسعين «1» . وتقدّم أحمد بن كيغلغ فى جماعة من القواد، فلقيهم الخليجى فهزمهم بالقرب من العريش أقبح هزيمة. فندب من بغداد جماعة من القوّاد فيهم إبراهيم بن كيغلغ، فخرجوا فى شهر ربيع الأول. وبرز المكتفى إلى باب الشّمّاسية «2» يريد المسير لحرب الخليجى لما/ بلغه من قوّته- وكان ذلك فى شعبان- فورد كتاب فاتك فى شعبان أن «القوّاد رجعوا إلى الخليجى وقاتلوه أشدّ قتال، وكانت بينهم حروب آخرها أنه انهزم ودخل فسطاط مصر واستتربها، ودخل عسكر الخليفة المدينة وظفروا به، وحبس هو ومن استتر عنده» .
فكتب المكتفى إلى فاتك بحمله ومن معه إلى بغداد، فوصلوا بغداد فى شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين، ودخل المكتفى بغداد وأمر بردّ خزائنه وكانت قد بلغت تكريت «3» .
وصيها- أعنى سنة اثنتين وتسعين أخذ بالبصرة رجل دكر أنه أراد الخروج، وأخذ معه ولده وتسعة وثلاثون رجلا، وحملوا إلى بغداد وهم يستغيثون ويحلفون أنهم براء «4» ، فأمر المكتفى بحبسهم
وفيها أغار أندرونقس «1» الرومى على مرعش «2» ونواحيها، فنفر أهل المصيصة وطرسوس فأصيب أبو الرجال بن أبى بكار فى جماعة من المسلمين. فعزل الخليفة أبا العشائر عن الثغور واستعمل عليهم رستم بن بدر «3» ، وافتدى رستم فكان جملة من فودى به المسلمون ألف نفس ومائتى نفس. وحج بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله.
وفيها كان ابتداء إمارة بنى حمدان بالموصل، وذلك أن المكتفى بالله ولّى على الموصل وأعمالها أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبىّ العدوىّ «4» ، فقدمها فى المحرم، وخرج فى اليوم الثانى من مقدمه لقتال الأكراد على ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخبار الدولة الحمدانية.
ودخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين: فى هذه السنة كان الظّفر بإبراهيم الخليجى المغلّب على ديار مصر، وقد ذكرنا ذلك فى سنة اثنتين وتسعين ومائتين.
وفيها أغارت الروم على قورس- من أعمال حلب- فقاتلهم أهلها قتالا شديدا، ثم انهزموا وقتل كثير منهم «1» . ودخل الروم قورس، وأحرقوا جامعها، وأخذوا من بقى من أهلها. وحج بالناس فى هذه السنة محمد بن عبد الملك الهاشمى.
ودخلت سنة أربع وتسعين ومائتين: فى هذه السنة قتل زكرويه رئيس القرامطة على ما نذكره إن شاء الله تعالى- فى أخبارهم «2» وفيها غزا ابن كيغلغ من طرسوس، فأصاب من الروم أربعة آلاف رأس سبيا، ودوابّ ومتاعا، ودخل بطريق من بطارقة الروم فى الأمان فأسلم. وغزا ابن كيغلغ أيضا فبلغ شلندوا «3» وافتتح اللّيس «4» فغنم نحوا من خمسين ألف رأس، وقتل
مقتلة عظيمة، وانصرف ومن معه سالمين. وكاتب أندرونقس البطريق المكتفى بالله فى طلب الأمان فأعطاه ما طلب- وكان على حرب الثغور من قبل ملك الروم- فخرج ومعه نحو من مائتى ألف أسير «1» من المسلمين فى السلاح، فقبضوا على بطريق كان ملك الروم أرسله ليقبض على أندرونقس- ليحاربوه- فسار إليه جمع من المسلمين لإغاثته، فبلغوا قونية «2» وانصرف الروم عنه. وسار جماعة من المسلمين إلى أندرونقس وهو فى حصنه، فخرج إليهم ومعه أهله، وسار معهم إلى يطلب وخرّب المسلمون قونية، فأرسل ملك الروم إلى الخليفة يطلب الفداء. وحج بالناس الفضل بن عبد الملك.
ودخلت سنة خمس وتسعين ومائتين: فى هذه السنة كانت وفاة إسماعيل بن أحمد السامانى أمير خرسان وما وراء النهر وقام بعده ابنه أحمد على ما نذكره- إن شاء الله تعالى- فى أخبارهم «3»