الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وافتتح عدّة حصون وخرّب وقتل الرجال وسبى الحريم ونهب الأموال، وقصد الناحية التى بها تلك المرأة فأسر لهم من الأسرى ما يفادون به أسراهم، وبالغ فى الوصية فى تخليص تلك المرأة فخلصت من الأسر وقتل بقية الأسرى.
فلما فرغ من غزاته قال لأهل الثغور: أغاثكم الحكم؟ قالوا:
نعم! وأثنوا عليه خيرا، وعاد إلى قرطبة مظفرا منصورا.
وفى سنة سبع وتسعين ومائة اشتد الغلاء بالأندلس وعمّ البلاد، ومات كثير من الخلق، وكان أكثر الناس يطوون للعدم «1» .
ذكر وقعة الربض بقرطبة
وفى سنة ثمان وتسعين ومائة كانت وقعة الربض بقرطبة، وسببها أن الحكم كان كثير التشاغل بالشّرب واللهو والصيد وغير ذلك مما يجانسه، وقد قدّمنا ما كان قد فعله بأهل قرطبة لما أرادوا خلعه ومن صلب منهم. فزادت كراهة أهلها فيه، وصاروا يتعرّضون لجنده بالأذى والسّبّ، وبالغوا حتى إنهم كانوا ينادون عند انقضاء الأذان/ الصلاة يا مخمور الصلاة! وشافهه بعضهم بالقول وصفقوا عليه بالأكف. فشرع فى تحصين قرطبة وعمارة أسوارها، وحفر خنادقها، وارتبط الخيل على بابه،
واستكثر من المماليك، ورتب جمعا لا يفارقون باب قصره بالسلاح.
فزاد ذلك فى حقد أهل قرطبة، وتحققوا أنه يفعل ذلك للانتقام منهم، ثم وضع عليهم عشر الأطعمة فى كلّ سنة من غير حرص فكرهوا ذلك.
ثم عمد إلى عشرة من رؤسائهم فقتلهم وصلبهم، فهاج لذلك أهل الرّبض، وانضاف إلى ذلك أن مملوكا له سلّم إلى صيقل سيفا ليصقله له فمطله الصيقل، فأخذ ذلك المملوك السيف ولم يزل يضرب به ذلك الصيقل إلى أن مات وذلك فى شهر رمضان من هذه السنة، فكان أول من شهر السلاح أهل الرّبض القبلى، واجتمع أهل الأرباض جميعهم بالسلاح، واجتمع الجند والأمويون والعبيد بالقصر. وفرق الحكم الخيل والسلاح، وجعل أصحابه كتائب.
ووقع القتال بين الطائفتين، فغلبهم أهل الربض وأحاطوا بالقصر، فنزل الحكم من أعلى القصر ولبس سلاحه وحرّض الناس على القتال، فقاتلوا قتالا شديدا. ثم أمر ابن عمّه عبيد الله فثلم من السور ثلمة وخرج منها بقطعة من الجيش وأتى أهل الرّبض من وراء ظهورهم فلم يشعروا به، وأضرم النار فى الرّبض.
فانهزم أهله/ وقتلوا قتلا ذريعا وأسر من وجد فى المنازل والدور فانتقى الحكم ثلاثمائة من وجوه الأسرى فصلبهم منكسين، ودام النّهب القتل والحريق فى أرباض قرطبة ثلاثة أيام.
ثم استشار الحكم فيهم عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث، فأشار عليه بالصّفح عنهم والعفو، وأشار غيره
بالقتل، فقبل قول عبد الكريم. وأمر فنودى بالأمان على أنه من بقى من أهل الربض بعد ثلاثة أيام قتل وصلب، فخرج من بقى منهم بعد ذلك مستخفيا، وتحمّلوا على الصّعب والذلول وخرجوا من حضرة قرطبة بنسائهم وأولادهم وما خفّ من أموالهم.
وقعد لهم الجند والسفلة بالمرصاد، ينهبون أموالهم، ومن امتنع عليهم قتلوه!.
فلما انقضت الأيام الثلاثة أمر الحكم بكفّ الأذى عن حرم الناس، وجمعهن إلى مكان واحد، وأمر بهدم الرّبض القبلى. وكان بزيع مولى أمية بن الأمير عبد الرحمن بن معاوية محبوسا فى حبس الدم وفى رجله قيد ثقيل، فلما رأى أهل قرطبة قد غلبوا الجند سأل الحرس أن يفرجوا عنه فأخذوا عليه العهد أن يعود فأطلقوه، فخرج فقاتل قتالا شديدا لم يكن فى الجيش من قاتل مثله، فلما انهزم أهل الربض عاد إلى السجن، فانتهى خبره إلى الحكم فأطلقه وأحسن إليه. وقيل إن هذه الوقعة كانت فى سنة اثنتين ومائتين والله أعلم./ قال بعض المؤرخين: اجتمع فى الرّبض أربعة آلاف فقيه وطالب! وكان ممّن خرج عليه يحيى بن يحيى الليثى، فهرب ونزل على حىّ من البربر، ثم أمّنه الحكم بعد ذلك وحظى عنده. ومنهم الفقيه طالوت بن عبد الجبار، ففرّ واستتر عند رجل يهودىّ عاما كاملا. وكان بينه وبين أبى البسام صداقة، فقصد فأخبر الحكم به، وأحضره إليه فعنّفه الحكم على خروجه عليه،