الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمات بعد خمسة أيام رحمه الله، ولما مات ولى بعده ابنه محمد.
ذكر ولاية المعتمد على الله
محمد بن عباد ابن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عبّاد، وكنيته أبو القاسم.
ولى بعد وفاة أبيه فى سنة ستين وأربعمائة، وقيل فى سنة إحدى وستين، وكان مولده بباجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، فكان عمره حين ولى ثلاثين سنة. وكان فيه أدب وشعر وكرم/ وتواضع وشجاعة، قال أبو بكر محمد بن عيسى المعروف بابن اللبانة كاتبه يصف الدولة العبادية «كانت الدولة العبادية تشبه العباسية، بها وسعة ملك ووثاق عهد وانتظام عقد، وعدل أئمة واعتدال أمة، كان أربابها يتنافسون فى المكارم ويتغايرون على الشرف المتقادم..
من حلبة السّبق لا برق يخاطفها
…
إلى مداها ولا ريح يجاريها
تردّهم نسبة نحو السماء فهم
…
من مائها، وعلاهم من دراريها
يشير إلى المنذر بن ماء السماء، ثم قال «جمعوا كرم الأخلاق إلى شرف الأعراق، وحملوا حلى الأداب على الأحساب، وعضّدوا البأس بالكرم وأيّدوا بالسيف والقلم..
نفر إلى ماء السماء نماهم
…
نسب على أوج النجوم مخيّم
بالبيض والبيضات والخلق اكتسوا
…
فتوسّحوا وتتوّجوا وتعمّموا
وكان بهذا البيت سرير الفلك الدائر وغريبه البحر الزاخر المعتمد على الله المؤيد بنصر الله أبو القاسم محمد» وذكر نسبه، ثم قال:
من بنى المنذر وهو انتساب
…
البيتين، وقد ذكرناهما آنفا، وقال تلوهما: وكذلك يطّرد النّسب اطراد/ الشآبيب، ويتّسق إتّساق الأنابيب، فهو كما قيل:
شرف ينقّل كابرا عن كابر
…
كالرّمح أنبوب على أنبوب
إلى مركز الدائرة من لخم وواسطة المنتخبين من يعرب وقحطان! ثم ذكر مولده وولايته على ما قدمنا وذكر خلعه فى سنة أربع وثمانين على ما نذكره إن شاء الله.
وكان سبب خلعه وانقراض دولته أن الفرنج- لعنهم الله- لما استولوا على طليطلة وملكها الأذفونش- وهو ألفنش- فى سنة ثمان وسبعن وأربعمائة على ما قدمناه. وكان المعتمد. يؤدّى إليه ضريبة فى كلّ سنة، فلما سيّرها إليه بعد استيلائه على طليطلة لم يقبلها وأعادها، وأرسل إليه يتوعده ويقول له: أنا آخذ مدينة قرطبة كما أخذت طليطلة إلا أن ترفع يدك عن جميع الحصون وتسلّمها إلينا ويكون لك السّهل من البلاد! وكان الرسول سلبيب اليهودىّ ومعه خمسمائة فارس، وطلب منه اثنى عشر ألف دينار، فأمر المعتمد بإنزال الخيالة على أهل العسكر متفرقين وأمر كلّ من عنده فارس منهم أن يقتله. ولما جنّ الليل أحضر اليهودىّ وكشف رأسه، وأمر بضربه بالنعال المسمرة، حتى خرجت عيناه من رأسه. وهرب من الخيالة ثلاثة، فوصلوا
إلى الأذفوشن وأعلموه بقتل أصحابه وكان متوجها إلى قرطبة يريد حصارها- فلما جاءه الخبر رجع إلى طليطلة ليستعد ويهيّىء آلات الحصار.
فلما سمع المعتمد برحيله إلى طليطلة سار هو إلى إشبيلية فبلّغ مشايخ قرطبة ما جرى، فاجتمعوا بالفقهاء وقالوا: هذه مدائن الأندلس قد غلب عليها الفرنج ولم يبق منها إلا القليل، وإن استمرّت الأحوال على ما نرى عادت نصرانية كما كانت! ثم ساروا إلى القاضى عبد الله بن محمد بن أدهم فقالوا له: ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصّغار والذلة وإعطائهم الجزية إلى الفرنج بعد أن كانوا يأخذونها منهم، وابن عبّاد هو الذى حمل الفرنج على المسلمين حتى جرى ما جرى وطلب منه ما طلب، وقد دبّرنا رأيا نعرضه عليك! قال: وما هو؟ قالوا: نكتب إلى عرب أفريقية ونعلمهم أنهم إن وصلوا إلينا قاسمناهم فى أموالنا وخرجنا معهم مجاهدين فى سبيل الله تعالى! قال: أخاف أن يخربوا الأندلس كما فعلوا بأفريقية ويتركوا الفرنج ويبدأوا بكم والمرابطون أقرب إلينا وأصلح حالا. قالوا: فكاتب يوسف بن ناشفين ورغّب إليه أن يدخل إلينا بنفسه أو يرسل إلينا قائدا من قوّاده. قال: أمّا الآن فقد أشرتم برأى فيه السّداد! وقدم المعتمد إلى قرطبة فى أثر ذلك، فدخل عليه القاضى وأعلمه بما دار بينه وبين أهل قرطبة وما اتفقوا عليه، فقال المعتمد:
نعم ما أشاروا به وأنت رسولى/ إليه! فامتنع القاضى واستعفاء