الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى السلطان مسعود بن محمد يعرّفه ذلك وأنه على قصد الموصل وحصرها، وتمادت الأيام إلى شعبان فسار الخليفة فى النصف منه فى ثلاثين ألف مقاتل.، فلما قارب الموصل فارقها زنكى فى بعض عساكره إلى سنجار ونزل بقية العسكر بها مع نائبه نصير الدين جقر ذردارها «1» فنازلها الخليفة وضيّق على من بها.
وكان عماد الدين يركب كلّ/ ليلة ويقطع الميرة عن العسكر ويأخذ من ظفر به من عسكر الخليفة، ودام الحصار ثلاثة أشهر فتضايقت الأمور بالعسكر الخليفى ولم يبلغه عمّن بها أنهم احتاجوا إلى ميرة ولا وهنوا، فعاد إلى بغداد فى الماء فى شبارة فوصل يوم عرفة من السنة.
وفى سنة سبع وعشرين أيضا اشترى الإسماعيلية بالشام حصن القدموس من صاحبه ابن عمرون، وصعدوا إليه، وقاموا بحرب من يحاربهم من المسلمين والفرنج.
وفى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة عزل الخليفة أنوشروان بن خالد، وألزم داره، وأعيد إلى الوزارة شرف الدين على ابن طرّاد الزينبى.
ذكر مسير المسترشد بالله لحرب السلطان مسعود بن محمد وأسره
وفى سنة تسع وعشرين وخمسمائة كانت الحرب بين الخليفة والسلطان فى شهر رمضان. وكان سبب ذلك أن السلطان مسعود
توفى أخوه الملك طغرل فى المحرم من هذه السنة بهمذان، وكان بينهما من العداوة والحروب ما نذكره فى أخبارهم إن شاء الله. وكان الخليفة يعين السلطان مسعود على أخيه/ ويساعده ويقوّيه، وكان السلطان مسعود قد انهزم من أخيه طغرل ورحل إلى بغداد، فأعانه الخليفة لجميع ما يحتاج إليه وأمره بالمسير إلى همذان ووعده أن يسير معه ويعينه على حرب أخيه.
وكان البقش السّلاحىّ وغيره من الأمراء قد التحقوا بالخليفة وصاروا معه واتّفق أن إنسانا أخذ فوجد معه ملطفات من طغرل إلى بعض الأمراء وخاتمه بإقطاع لهم فلما رأى الخليفة ذلك قبض على أمير منهم اسمه غلبك ونهب ماله فاستشعر غيره من الأمراء الذين مع الخليفة، فهربوا إلى عسكر السلطان مسعود؛ فأرسل الخليفة إليه فى إعادتهم فلم يفعل، فعظم ذلك على الخليفة وحدث بينهما نفرة ووحشة أوجبت تأخّره عن المسير معه فأرسل إليه يأمره بالمسير معه حتما.
فيبنما هم فى ذلك إذ ورد الخبر بوفاة طغرل، فسار مسعود من يومه واحتوى على مملكة الجبل، فلما استقرّ بهمذان فارقه جماعة من أعيان الأمراء خوفا منهم على أنفسهم. منهم يرنقش البازدار، وقزل، وسنقر الخمارتكين والى همذان وعبد الرحمن ابن طغايرك «1» ومعهم دبيس، وأرسلوا إلى الخليفة يطلبون أمانة
ليحضروا إلى خدمته فقيل للخليفة إنها مكيدة لأن دبيس بن صدقة معهم. فساروا نحو خوزستان/ واتفقوا مع برسق بن برسق، فأرسل الخليفة إلى الأمراء سديد الدولة بن الأنبارى بتوقيعات يطيّب قلوبهم، وأمرهم بالحضور فعزموا على قبض دبيس بن صدقة ليتقربوا به إلى الخليفة، فهرب إلى السلطان مسعود.
وسار الأمراء إلى بغداد فى شهر رجب فأكرمهم وقطع خطبة السلطان مسعود من بغداد. وبرز الخليفة فى العشرين من شهر رجب على عزم المسير لحرب مسعود، وأقام بالشفيعى «1» ، فهرب منه بكبه «2» صاحب البصرة إليها، فراسله وبذل له الأمان فلم يعد. فتوقف الخليفة عن المسير، فحسّن له الأمراء الرحيل، وضعّفوا أمر السلطان مسعود، فسيّر مقدّمته إلى حلوان فنهبوا البلاد وأفسدوا فلم ينكر عليهم. تم سار فى ثامن شعبان والتحق به الأمير برسق بن برسق فبلغت عدّته سبعة آلاف فارس، وتخلّف بالعراق مع إقبال الخادم ثلاثة آلاف فارس وكان السلطان فى ألف وخمسمائة فارس.
وكان أكثر أصحاب الأطراف يكاتبون الخليفة ويبذلون له الطاعة فاستصلح السلطان أكثرهم، فعادوا إليه، فصار فى نحو خمسة عشر ألف فارس. فأرسل الملك داود بن السلطان محمود
إلى الخليفة يشير عليه بالميل إلى الدينور ليحصّن نفسه ومن/ معه فلم يفعل المسترشد بالله. وسار حتى بلغ دايمرج، وعبأ أصحابه.
وسار السلطان مسعود إليهم فوافاهم فى عشر رمضان، فانحازت ميسرة الخليفة إلى السلطان وقاتلت الميمنة قتالا ضعيفا، ودارت عساكر السلطان حول عسكر الخليفة وهو ثابت لم يحترك من مكانه، فانهزم عسكره وأخذ هو أسيرا ومعه جمع كثير من أصحابه منهم: شرف الدين على بن طرّاد الزينبى وقاضى القضاة، وصاحب المخزن ابن طلحة، وابن الأنبارى، والخطباء، والفقهاء والشهود وغيرهم. وأنزل الخليفة فى خيمة وأخذ ما فى عسكره، وحمل الأعيان إلى قلعة سرجهان ولم يقتل فى هذه المعركة أحد ألبتة.
وعاد السلطان إلى همذان، وأمر فنودى «من تبعنا من البغداديين إلى همذان قتلناه» فرجع الناس كلّهم على أقبح صورة وسير السلطان الأمير بكبه المحمودى شحنة إلى بغداد فوصلها فى رمضان.
فقبض جميع أملاك الخليفة وأخذ غلّاتها، وثار جماعة من عامة بغداد فكسروا المنبر والشباك، ومنعوا من الخطبة، وخرجوا إلى الأسواق يحثون التراب على رؤوسهم ويصيحون ويبكون، وخرج النساء حاسرات فى الأسواق يلطمن ويبكين، واقتتل أصحاب/ الشحنة والعامة فقتل من العامة ما يزيد على مائة وخمسين رجلا.