الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عزل الخافانى عن الوزارة
وزارة علىّ بن عيسى فى هذه السنة ظهر للمقتدر بالله تخليط الخاقانىّ وعجزه عن الوزارة، فأراد عزله وإعادة أبى الحسن بن الفرات، فمنعه مؤنس الخادم وقال له: متى أعدته ظنّ النّاس أنّك إنما قبضت عليه شرها فى ماله! وأشار عليه باستدعاء علىّ بن عيسى من مكة وتقليده الوزارة وشكره مؤنس الخادم وأثنى عليه.
فأمر المقتدر باحضاره، فوصل إلى بعداد فى أوّل سنة إحدى وثلاثمائة، فجلس فى الوزارة وسلّم إليه الخاقانىّ فأحسن إليه ووسّع عليه. ولما تولّى علىّ بن عيسى لازم العمل والنظر فى الأمور وردّ المظالم، وأطلق من المكوس شيئا كثيرا، وأسقط زيادات كان الخاقانى قد زادها/ للجند؛ لأنه عمل معدّل الدّخل والخرج فرأى الخرج أكثر من الدّخل، فأسقط الزيادات. وأمر بعمارة المساجد والجوامع وتبييضها وبسطها بالحصر وإشعال الأضواء فيها. وأمر بإصلاح البيمارستانات وعمل ما تحتاج إليه، وغير ذلك من وجوه البر والقربات «1» .
قال «2» : ولما عزل الخاقانى أكثر الناس التزوير على خطّ الخاقانىّ بصلات وإدرارات، فنظر علىّ بن عيسى فى ذلك فأنكر
الخطوط وأراد إسقاطها، فخاف ذمّ الناس، فأنفذها للخاقانىّ فقال: كلّها خطّى وأنا أمرت بها فلما عاد الرسول إلى علىّ بن عيسى قال: والله لقد كذب، وقد علم المزوّر من غيره ولكنه اعترف بها لتحمده الناس ويذمونى! وأمر بإحراقها «1» ، وقال الخاقانىّ لولده: يا بنى، هذه ليست خطى ولكنه أنفذها إلىّ وقد عرف الصحيح من السقيم وأراد أن نأخذ الشّوك بأيدينا ويبغضنا إلى النّاس، وقد علمت مقصوده، وعكسته عليه! قال ابن الجوزىّ «2» : وفيها لاثنتى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر ورد الخبر بانخساف جبل بالدّينور يعرف بالتل وخرج من تحته ماء كثير أغرق عدّة من القرى، ووصل الخبر بانخساف قطعة عظيمة من جبل لبنان وسقوطها فى البحر «3» .
وفى هذه السنة خرج أهل صقيلة عن طاعة المهدىّ صاحب/ أفريقية، وخطب للمقتدر بالله بها. وكان الذى قام بهذه الدعوة أحمد بن قرهب، فسيّر إليه الخلع السّود والألوية، ثم خرج أهل الجزيرة عليه وقبضوه وبعثوه للمهدى فقتله. وحجّ بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الملك.
ودخلت سنة إحدى وثلا ثمائة: وفى هذه السنة خلع المقتدر بالله على ابنه أبى العباس وقلّده أعمال مصر والمغرب وعمره أربع
سنوات، واستخلف [له]«1» على مصر مؤنس الخادم. وهذا أبو العباس الذى ولى الخلافة بعد القاهر ولقّب الراضى بالله على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وخلع أيضا على ابنه على وولاه الرىّ «2» ودنباوند «3» وقزوين وزنجان «4» وأبهر «5» .
وفيها خالف أبو الهيجاء بن حمدان بالمؤصل على المقتدر بالله، فسير إليه المظفّر مؤنسا، فأتاه ابن حمدان مستأمنا، وورد [مؤنس]«6» معه إلى بغداد فخلع المقتدر عليهما.
وفيها استولى الحسن بن علىّ بن عمر بن الحسين بن علىّ على برسنان، وتلقّب بالناصر على ما نذكره- إن شاء الله تعالى- فى أخبار الطالبيين.
وفيها جهّز المهدىّ- صاحب أفريقية- العساكر مع ابنه القائد إلى الديار المصرية، فسار إلى برقة واستولى عليها، وسار إلى مصر فملك الإسكندرية والفيوم، وصار فى يده أكثر البلاد فسيّر المقتدر لحربه مؤنسا الخادم فى جيش كثيف،/ فحارب عساكر
المهدىّ وأجلاهم عن الديار المصرية، فعادوا إلى المغرب منهزمين.
وحجّ بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الملك أيضا ودخلت سنة اثنتين وثلاثمائة: فى هذه السنة أمر المقتدر بالقبض على أبى عبد الله الحسين بن عبد الله الجوهرىّ المعروف بابن الجصاص وأخذ ما فى بيته من صنوف الأموال؛ فأخذ منه ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار، وكان هو يدّعى أن ما أخذ منه عشرون ألف ألف دينار، وأكثر من ذلك «1» .
وفيها أنفذ الملقّب بالمهدى- صاحب أفريقية- جيشا إلى الد يار المصرية مع قائد من قواده يقال له حباسة «2» فى البحر، فغلب على الاسكندرية ثم سار منها إلى مصر. فأرسل المقتدر لحربه مؤنسا الخادم فى عسكر فالتقوا فى جمادى الأولى واقتتلوا قتالا شديدا، فقتل من الفريقين وجرح خلق كثير. ثم كانت بينهم وقعة ثانية، ثم وقعة ثالثة ورابعة انهزم فيها المغاربة وقتل منهم وأسر سبعة آلاف وذلك فى سلّخ جمادى الآخرة. وعاد من بقى إلى المهدى فقتل حباسة.