الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذى يؤدّى إلى آبائه ثلاثمائة ألف دينار فى كلّ سنة، فكانوا يعطون رجالهم وخدمهم مائة ألف دينار، وينفقون فى أمورهم ونوّابهم وجميع ما يعرض لهم مائة ألف، ويدّخرون مائة ألف «1» . فلما امتنع أهل مدن الأندلس من أداء الخراج إليهم رجعوا إلى تلك الذخائر ينفقونها، واتصلت عليهم الحروب خمس عشرة سنة فنفدت ذخائرهم واحتاجو للقروض! وكانت أيامه على هذه الحال إلى أن توفى، وكانت وفاته/ فى يوم الثلاثاء غرة شهر ربيع الأول سنة ثلاثمائة، وعمره سبعون سنة إلا شهورا، ومدة ولايته خمس وعشرون سنة ونصف شهر وكان مستبدا بآرائه، مخالفا لنصحائه، ليّن الجانب جدا. بلغ من لينه أنّ ابنه مطرّفا قتل أخاه محمد بن عبد الله والد الناصر فلم ينكر عليه ذلك، بل قال له: قد سوّغتك قتل أخيك فالله الله فى ابن أمية (يعنى وزيره) فإنك إن قتلته قتلتك به! ثم حذّر ابن أمية من مطرّف، وكان مطرّف قد عزم على خلعه فلم يمكنه ذلك لمكان ابن أمية، فعمل عليه حتى قتله. ولما مات عبد الله ولى بعده ابن ابنه عبد الرحمن.
ذكر امارة عبد الرحمن بن محمد
هو أبو المطرّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، وأمه أمّ ولد اسمها مزنة، وهو الثامن من أمراء بنى أمية بالأندلس.
بويع له بعد وفاة جدّه، فى مستهل شهر ربيع الأول سنة ثلاثمائة.
وقال ابن الرقيق إنه أخ لعبد الله بن محمد، وليس بصحيح! وينقض ذلك عليه أنه قال فيه: ولى وهو ابن أربع وعشرين سنة ووفاة محمد بن عبد الرحمن قبل مولد عبد الرحمن هذا بأربع سنين، وأظنه أشكل عليه أمره، والتبس عليه محمد بن/ عبد الله بجدّه محمد بن عبد الرحمن، والله تعالى أعلم..
قال «1» : ولما ولى عبد الرحمن هذا تلقّب بأمير المؤمنين الناصر لدين الله، وهو أوّل من لقّب بأمير المؤمنين ببلاد الأندلس.
وكان من قبله يسمّون ببنى الخلائف، ويسلّم عليهم ويخطب لهم بالإمرة فقط. وإنما تسمّى هذا بأمير المؤمنين لما بلغه ضعف الخلافة بالعراق فى أيام المقتدر بالله، وظهور الشيعة بالقيروان، ودعاؤهم للمهدى. فكان فى ذلك الوقت ثلاثة خلائف تلقّب كل منهم بأمير المؤمنين؛ فالمقتدر بالعراق، والمهدى بالقيروان، وهذا الناصر بالأندلس.
قال: وولى والأندلس نار تضطرم، وجمرة تتقّد شقاقا ونفاقا، فأخمد نيرانها وسكّن زلازلها، وغزا غزوات كثيرة، وكان يشبّه بعبد الرحمن الداخل. ولم يجد من المال ما يستعين به على مصالح جيشه، فاتفق أن صاحب الدّوجر «2» أغار على قرطبة فى نحو ثلاثمائة فارس فهزمه عبد الرحمن وأسره. فسلّم إليه الحصن بجميع ما فيه فتقوّى به، ثم التقى مع ابن حفصون فى وادى التفاح
بجيّان- وكان ابن حفصون فى عشرين ألف فارس- فهزمه عبد الرحمن وأفنى أكثر من معه قتلا وأسرا.
وبعث إلى المغرب الأوسط، فملك سبتة وفاس وسجلماسة وعمّرها وغزا الروم بعد ذلك اثنتى عشرة غزوة/ حتى دوّخ بلادها، ووضع عليهم [جزية]«1» يؤدونها. وكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف صانع يصنعون له فى مدينته التى بناها وسمّاها الزهراء، وهى على ثلاثة أميال من قرطبة، أسندها إلى سفح الجبل وساق المياه إليها. وقسمها أثلاثا، فالثلث الذى يلى الجبل لقصوره ومنازله، والثلث فيه دور خدمه وكانوا اثنى عشر ألفا بمناطق الذهب والسيوف المحلاة يركبون لركوبه وينزلون لنزوله، والثلث بساتين تحت مناظره وقصوره. وجلب إليها أنواع الفواكه، قال «2» : ومن غريب ما بناه فيها مجلس مشرف على البساتين مرفوع على العمد مبنى بالرخام المجزّع، مصفّح بالذهب، مرصّع باليواقيت والجواهر. وصنع أمام المجلس بحرا ملأه بالزئبق فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، فحضر إليه القاضى بقرطبة الفقيه منذر بن سعيد البلّوطى «3» فقرأ «ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج