الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منزله فذبح. وكان الذى تولّى قتله محمد بن أبى عامر الوزير، فصعّب الأمور لهشام.
ولما ولى احتيج إلى مدبر للمملكة، فوقع الاختيار على جعفر ابن عثمان المصحفى، فقلّده هشام حجابته وتدبير أمره، وأشرك معه فى الحجابة غالب بن عبد الرحمن. وقلّد المنصور بن أبى عامر الوزارة- وكان على الشرط والسكة- فانحط المصحفى وارتفع ابن/ أبى عامر، ثم عزل المصحفى عن الحجابة فى يوم الإثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شعبان سنة سبع وستين وحوقق وطولب بمائة ألف دينار، وتوفى فى المطبق بعد خمسة أعوام، فكانت مدة ولايته ستة أشهر وثلاثة أيام.
ذكر أخبار المنصور محمد بن أبى عامر
قال «1» : ولما عزل المصحفى اتفق الرأى على تقديم محمد بن أبى عامر المعافرى «2» ، فولى الحجابة فى يوم الإثنين المؤرّخ، وبقى غالب شريكه إلى أن قتل وتفرّد المنصور بالأمر.
قال بعض المؤرخين: كان محمد بن أبى عامر من الجزيرة الخضراء «3» ، وله بها قدر وأثرة وورد وهو شاب إلى قرطبة واشتغل بالعلم والأدب، وسمع الحديث وتميّز. وكانت له همة يحدّث بها نفسه بإدراك معالى الأمور، وكان يحدّث من يختص به
بما يقع له من ذلك. وله أخبار كثيرة أورد منها أبو عبد الله الحميدى- فى كتابه المترجم بالأمانى الصادقة- كثيرا قال: ثم علت حاله، وتعلّق بوكالة صبح أمّ هشام المؤيد، والنظر فى أموالها؛ فزاد أمره فى التّرقّى إلى أن مات وولى ابنها هشام، فخافت اضطراب الأمر عليه، فضمن لها سكون الحال وزوال الخوف/ واستقرار الملك لابنها. فساعدته المقادير، وأمدّته المرأة بالأموال فاستمال العساكر إليه، فصار صاحب التدبير والمتغلّب على الأمر.
وحجب هشاما وتلقّب بالمنصور «1» وأقام الهيبة، فدانت له أقطار الأندلس كلها، ولم يضطرب عليه شىء منها لعظم هيبته وحسن سياسته. وكان يدخل إلى القصر ويخرج فيقول: أمر أمير المؤمنين بكذا ونهى عن كذا! فلا يعترض عليه فى مقال ولا ينازع فى أفعال.
وكان إذا غزا بلد الروم وكل بهشام من يمنعه من التصرف والظهور والإذن فى دخول أحد من الناس إلى أن يعود من سفره، فإذا كان بعد سنين أركبه وجعل عليه برنسا وألبس جواريه البرانس حتى لا يعرف منهن، ويوكل بالطرقات من يطرد الناس عنها حتى ينتهى إلى الزّهراء وغيرها من المتنزهات، ثم يعيده على مثل ذلك. وليس له من الملك إلا الدعاء على المنابر، وإثبات اسمه
على السكة والطرر، والمنصور على أتمّ ما يكون من الحزم وسدّ الثغور وإقامة العدل وشمول الناس بالإحسان والفضل. فلم ير فى الضبط وحسن السياسة وأمن السبيل وتوفية حقوق الرياسة بجزيرة الأندلس كأيامه! ودامت له هذه الحال بضعا وعشرين سنة إلى أن توفى، وكانت وفاته فى أقصى الثغور/ بمدينة سالم «1» فى سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة فى طريق الغزو.
قال «2» : وكان رحمه الله تعالى له مجلس فى الأسبوع يجتمع فيه أهل العلم للكلام بحضرته مدة بقائه بقرطبة، قال وختن أولاده فختن معهم من أولاد أهل دولته خمسمائه صبى ومن أولاد الضعفاء ما لم تحص عدتهم، وأنفق فيه خمسمائة ألف دينار.
وكان ذا همة عالية فى الجهاد، مواصلا لغزو الروم «3» ، وربما خرج لصلاة العيد فيقع له فيه الجهاد، فلا يرجع إلى قصده ويركب من فوره بعد انصرافه من الصلاة، فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراد من العساكر. وغزا ستا وخمسين غزاة ذكرت فى المآثر العامرية بأوقاتها، وفتح فتوحا كثيرة، ووصل إلى معاقل جمّة امتنعت على من كان قبله. وملأ الأندلس بالغنائم والسبى.