الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عزل حامد بن العباس
وولاية ابن الفرات فى هذه السنة فى شهر ربيع الآخر عزل المقتدر حامد بن العباس عن الوزارة، وعلىّ بن عيسى عن الدواوين، وخلع على أبى الحسن بن الفرات وأعيد إلى الوزارة. وكان سبب ذلك أن المقتدر ضجر من استغاثة الأولاد والحرم والخدم والحاشية من تأخير أرزاقهم؛ فإن علىّ بن عيسى كان يؤخّرها، فإذا اجتمع لهم عدّة شهور أعطاهم البعض، وحطّ من أرزاق العمال فى كل سنة شهرين وكذلك من أرزاق من له رزق فزادت عداوة النّاس له. وكان حامد بن العباس قد ضجر من المقام ببغداد وليس له من الأمر شىء غير لبس السواد، وأنف/ من اطّراح على بن عيسى لجانبه، فإنه كان يهينه فى توقيعاته بالإطلاق عليه لضمانه بعض الأعمال، فكان بكتب ليطلق جند «1» الوزير أعزّه الله، وليبادر نائب الوزير، وكان إذا شكا إليه بعض نوّاب حامد يكتب على القصة «إنما عقد الضّمان على النائب الوزيرىّ عن الحقوق الواجبة السلطانية فليتقدم إلى عمّاله بكف الظلم عن الرّعيّة» .
فاستأذن حامد وسار إلى واسط لينظر فى ضمانه فأذن له، وجرى بين مفلح الأسود «2» وبين حامد كلام فقال له حامد:
لقد هممت أن أشترى مائة خادم أسود أسميهم مفلحا وأهبهم لغلمانى فحقدها مفلح- وكان خصيصا بالمقتدر- فسعى معه المحسن بن الفرات لوالده بالوزارة وضمن أموالا جليلة، وكتب على يده رقعة يقول إن سلّم إليه الوزير وعلىّ بن عيسى وابن الحوارى وشفيع اللؤلؤى ونصر الحاجب وأم موسى القهرمانة والماذرائيون استخرج منهم سبعة آلاف ألف دينار! وكان المحسن مطلقا، وكان يواصل السّعاية بهؤلاء الجماعة، وذكر ابن الفرات للمقتدر ما كان يأخذه ابن الحوارى فى كلّ سنة من المال فاستكثره.
فقبض على علىّ بن عيسى فى شهر ربيع الآخر وسلّم إلى زيدان القهرمانة فحبسته فى الحجرة التى كان ابن الفرات محبوسا فيها، وأطلق ابن الفرات وخلع عليه، وتولّى/ الوزارة وخلع على ابنه المحسن، وهذه الوزارة الثالثة لابن الفرات.
قال «1» : وسيّر ابن الفرات إلى واسط من يقبض على حامد فهرب واختفى ببغداد، ثم إن حامدا لبس زىّ راهب وخرج من مكانه الذى كان فيه ومشى إلى نصر الحاجب ودخل عليه وسأله إيصال حاله إلى الخليفة إذا كان عند حرمه، فاستدعى نصر مفلحا الخادم فلما رآه قال: أهلا بمولانا الوزير أين مماليك السودان الذين سمّيت كلّ واحد منهم مفلحا؟
فسأله نصر أن لا يؤاخذه وقال له: حامد يسأل أن يكون محبسه فى دار الخلافة ولا يسلّم إلى ابن الفرات.
فدخل مفلح وقال ضدّ ما قيل له فأمر المقتدر بتسليمه إلى ابن الفرات، فأرسل إليه فحبسه فى دار حسنة وأجرى له من الطّعام والكسوة والطّيب وغير ذلك ما كان له وهو وزير، ثم أحضره وأحضر الفقهاء والعمال وناظره على ما وصل إليه من المال وطالبه به، فأقرّ بجهات تقارب ألف ألف دينار، وضمنه المحسن بن أبى الحسن بن الفرات الوزير من المقتدر بخمسمائة ألف دينار فسلمه إليه فعذّبه بأنواع العذاب، وأنفذه إلى واسط مع بعض أصحابه ليبيع ماله هناك، وأمرهم أن يسقوه سمّا فسقوه سمّا فى بيض مشوىّ كان طلبه، فأصابه إسهال فلما وصل إلى واسط أفرط القيام به. وكان قد/ تسلّمه محمد بن على البروجردى «1» فلما رأى حاله أحضر القاضى والشهود ليشهدوا عليه أنه ليس له فى أمره صنع! فلما حضروا عند حامد قال لهم: إن أصحاب المحسن سقونى سما فى بيض مشوىّ فإنا أموت منه وليس لمحمد فى أمرى صنع، لكنه أخذ قطعة من أموالى وأمتعتى وجعل يحشوها فى المساور وتباع المسورة بمحضر من أمين السلطان بخمسة دراهم فبضع من يشتريها ويحملها إليه فيكون فيها أمتعة تساوى ثلاثة آلاف درهم، فاشهدوا على
ذلك! وكان صاحب الخبر حاضرا فكتب بذلك، ثم مات حامد فى شهر رمضان من هذه السنة.
وصودر على بن عيسى بثلاثمائة ألف دينار وعذّبه المحسن بن الفرات وصفعه فأنكر عليه أبوه لأن عليا كان محسنا إليهم فى أيام ولايته وأعطى المحسن فى أيام نكبته عشرة آلاف درهم، فلم يرع له حقّ إحسانه. قال:«1» ولما أدّى على بن عيسى مال المصادرة سيره ابن الفرات إلى مكة وكتب إلى أميرها أن يسيّره إلى صنعاء، ثم قبض ابن الفرات على أبى علىّ بن مقلة لأنه بلغه أنه سعى به أيام نكبته ونقلّد بعض الأعمال فى أيام حامد ثم أطلقه ابن الفرات وقبض أيضا على ابن الحوارى وكان خصيصا بالمقتدر وسلمه إلى ابنه المحسن فعذّبه عذابا شديدا-/ وكان المحسن وقحا ظالما سيء الأدب ذا قسوة شديدة، وكان الناس يسمونه الخبيث بن الطيب، وسير ابن الحوارى إلى الأهواز ليستخرج منه الأموال فضربه الموكّل به حتى مات. وقبض أيضا على الحسين بن أحمد ومحمد بن على الماذرائيين «2» فصادرهما على ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دنيار، ثم صادر جماعة من الكتاب ونكبهم. ثم إنّ
ابن الفرات- خوّف المقتدر من مؤنس الخادم وأشار عليه أن يسيّره إلى الشام فأخرجه عن الحضرة فى يوم شديد المطر، ثم سعى بنصر الحاجب وأطمع المقتدر فى ماله وكثرته فالتجأ نصر إلى أم المقتدر فحمته من ابن الفرات وفيها غزا مؤنس المظفر بلاد الروم فغنم وفتح حصونا وغزا ثمال فى البحر فغنم من السبى ألف رأس، ومن الغنم ألف رأس، ومن الذهب والفضة شيئا كثيرا.
وفيها دخل القرمطىّ «1» البصرة وقتل عاملها «2» وأقام بها سبعة عشر يوما يقتل وينهب ويأسر.
ودخلت سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة: فى هذه السنة ظهر فى دار الخليفة إنسان أعجمى عليه ثياب فاخرة وتحته مما يلى بدنه قميص صوف ومعه قدّاحة وكبريت ودواة وأقلام وسكين وكاغد، وفى كيس سويق وسكر وحبل/ طويل من القنّب، فأحضر إلى ابن الفرات الوزير فسأله عن حاله فقال:
لا أخبر إلا صاحب الدار! فأمر بضربه ليقر فقال: بسم الله بدأتم بالشر! ولزم هذا القول ثم جعل يقول بالفارسية ما معناه «لا أدرى» ثم أمر به فأحرق، وأنكر ابن الفرات على نصر الحاجب هذا الحال وعظّم الأمر بين يدى المقتدر ونسبه إلى أنه أخفاه ليقتل المقتدر، وتفاوضا فقال الحاجب: لم أسعى فى
قتل أمير المؤمنين وقد رفعنى من الثرى إلى الثريا؟ إنما يسعى فى قتله من صادره وأخذ أمواله وضياعه وأطال حبسه! وفيها أخذ القرمطى الحاجّ بعد عودتهم من الحجاز- وكان لأبى الهيجاء طريق مكة- فسار إلى القرمطى فأوقع به، وأسر أبو الهيجاء وأحمد بن كشمرد ونحرير وأحمد بن بدر عمّ والدة المقتدر وغيرهم، وأخذ القرمطى جمال الحاجّ جميعها وما أراد من الأمتعة والأموال والنساء والصبيان، وعاد إلى هجر «1» وترك الحاجّ فى مواضعهم فمات أكثرهم جوعا وعطشا، فاجتمع حرم المأخوذين إلى حرم المنكوبين «2» الذين نكبهم ابن الفرات وجعلن ينادين: القرمطى الصغير «3» قتل المسلمين بطريق مكة والقرمطى «4» الكبير قتل المسلمين ببغداد! وشنّعوا عليه وكسر العامّة منابر الجوامع وسوّدوا المحاريب يوم الجمعة لستّ خلون من صفر،/ فضعفت نفس ابن الفرات وحضر عند المقتدر ليأخذ أمره فيما يصنع.
وحضر نصر الحاجب المشورة فانبسط لسانه على ابن الفرات وقال: الساعة تقول: اى شىء نصنع وما هو الرأى بعد أن زعزعت أركان الدولة وعرضتها للزوال؛ فى الباطن بالميل مع