الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت مدّة اعتقاله إلى أن رجع إلى الوزارة خمس سنين وأربعة أيام. قال: وسمع بعض العوام يقول يوم خلع على ابن الفرات:
والله خذلونا، أخذوا منّا مصحفا وأعطونا طنبورا! فبلغ ذلك إلى الخليفة، فكان ذلك سببا للإحسان إلى على بن عيسى وحسن النيّة فيه إلى أن خرج من الحبس [والله تعالى أعلم]
ذكر أمر يوسف بن أبى الساج
/ كان يوسف بن أبى السّاج على أذربيجان وأرمينة قد ولى الحرب والصلاة والأحكام وغيرها منذ أول وزارة ابن الفرات الأولى، فلما عزل ابن الفرات وتولى الخاقانىّ طمع فأخر حمل بعض المال، فاجتمع له من المال ما قويت به نفسه على الامتناع، وبقى كذلك إلى هذه السنة. فلما بلغه القبض على على الوزير علىّ بن عيسى أظهر أنّ الخليفة أنفذ إليه عهد الرىّ وأن الوزير علىّ بن عيسى سعى له فى ذلك، وجمع العساكر وسار إلى الرىّ وبها محمد بن صعلوك يتولّى أمرها لصاحب خراسان نصر بن أحمد السامانى. وكان ابن صعلوك قد تغلّب على الرىّ وما يليها أيام وزارة على بن عيسى، ثم أرسل إلى ديوان الخلافة يقاطع عليها بمال يحمله، «1» فلما بلغه مسير يوسف نحوه سار إلى خراسان، فدخل يوسف الرّىّ واستولى عليها وعلى قزوين وزنجان وأبهر، فلما اتصل فعله بالمقتدر بالله أنكره
وكتب يوسف إلى الوزير ابن الفرات يعرفه أنّ علىّ بن عيسى أنفذ إليه بالعهد واللواء وأنه افتتح هذه الأماكن وطرد عنها المتغلّبين عليها واعتدّ بذلك، وذكر كثرة ما أخرج عليه من الأموال، فعظم ذلك على المقتدر وأمر ابن الفرات أن يسأل علىّ بن عيسى عن الذى ذكره يوسف فأحضره وسأله فأنكر ذلك فصدّقه. وكتب ابن الفرات إلى ابن أبى الساج/ ينكر عليه تعرّضه إلى هذه البلاد وكذبه على الوزير وجهّز العساكر لمحاربته. فسارت فى سنة خمس وثلاثمائة وعليها خاقان المفلحى ومعه جماعة من القواد «1» ، فساروا ولقوا يوسف واقتتلوا، فهزمهم يوسف وأسر منهم جماعة وأدخلهم الرىّ مشهّرين على الجمال.
فسيّر الخليفة مؤنسا الخادم فى جيش كثيف لمحاربته، فسار وانضم إليه من كان مع خاقان، فصرف خاقان عن أعمال الجبل ووليها نحرير الصغير وسار مؤنس وأتاه أحمد بن على- وهو أخو محمد بن صعلوك- مستأمنا فأكرمه، ووصلت كتب ابن أبى الساج يسأل الرّضى عنه وأن يقاطع على أعمال الرى وما يليها على سبعمائة ألف دينار لبيت المال سوى ما تحتاج إليه الجند وغيرهم، فلم يجبه المقتدر إلى ذلك وقال: لو بذل ملك الأرض لما أقررته على الرّىّ يوما واحدا لإقدامه على التّزوير! فلما عرف ابن أبى السّاج ذلك سار عن الرّىّ بعد أن أخربها وجبى خراجها فى
عشرة أيام. وقلّد المقتدر الرّىّ وقزوين وأبهر وصيفا البكتمرىّ «1» ، وطلب يوسف بن أبى الساج أن يقاطع على ما كان بيده من الولاية فأشار ابن الفرات بإجابته إلى ذلك، فعارضه نصر الحاجب وابن الحوارىّ وقالا: لا يجاب إلى ذلك إلا بعد أن يطأ البساط.!
ونسب الوزير ابن الفرات إلى مواطأته والميل معه. فامتنع/ المقتدر بالله من إجابته إلا أن يحضر إلى الخدمة بنفسه.
فلما رأى يوسف ذلك حارب مؤنسا فانهزم مؤنس إلى زنجان، وقتل من قواده جماعة «2» وأسر جماعة منهم هلال بن بدر، فأدخلهم أردبيل مشهّرين على الجمال.
وأقام مؤنس بزنجان بجمع من العساكر ويستمد الخليفة، وكاتبه يوسف فى الصّلح وراسله فيه؛ فكتب مؤنس إلى الخليفة فلم يجبه إليه. فلما كان فى المحرم سنة نسع «3» وثلاثمائة اجتمع لمؤنس خلق كثير فسار نحو يوسف، فتواقعا على باب أردبيل، فانهزم عسكر يوسف، وأسر هو وجماعة من أصحابه فعاد بهم مؤنس إلى بغداد فدخلها فى المحرم.
وأدخل يوسف مشهّرا على جمل وعليه برنس بأذناب الثعالب، فأدخل على المقتدر، ثم حبس عند زيدان القهرمانة.
وفى سنة أربع وثلاثمائة نوفّى الناصر العلوىّ صاحب طبرستان.
وفيها خالف أبو يزيد خالد بن محمد على المقتدر بكرمان- وكان يتولى الخراج- وسار منها إلى شيراز يريد التغلب على فارس، فحاربه بدر الحمامى وقتله وحمل رأسه إلى بغداد.
وفيها سار مؤنس المظفّر إلى بلاد الروم للغزاة، فسار إلى ملطية وغزا منها، وكتب إلى أبى القاسم على بن أحمد بن بسطام.
أن يغزو من طرسوس فى أهلها، ففعل وفتح مؤنس حصونا كثيرة من الروم وأثر آثارا جميلة وعاد إلى بغداد فأكرمه الخليفة وخلع عليه.
قال أبو الفرج [عبد الرحمن بن الجوزى]«1» وفيها ورد الخبر من خراسان أنه وجد بالقندهار فى أبراج سورها أزج «2» متصل بها، فيه ألف رأس فى سلاسل، من هذه الرؤوس تسعة وعشرون رأسا «3» فى أذن كلّ رأس رقعة مشدودة بخيط إبريسم «4» مكتوب فيها اسم الرجل. قال وكان من الأسماء شريح بن حيان وخباب بن الزبير والخليل بن موسى وطلق ابن معاد، وحاتم بن حسنة، وهانىء بن عروة، وفى الرقاع تاريخ من سنة [سبعين من]«5» الهجرة، ووجدوا على حالهم لم لم يتغيّر شعرهم إلا أن جلودهم قد جفّت.
ودخلت سنة خمس وثلاثمائة: قال أبو الفرج «1» : فى هذه السنة ورد على السلطان هدايا جليلة من أحمد بن هلال صاحب عمان، وفيها أنواع من الطّيب وطرائف من طرائف البحر وطائر أسود يتكلم بالفارسية والهندية أفصح من الببغاء وظباء سود قال: ابن الأثير: «2» وفى هذه السنة من المحرم وصل رسولان من مالك الرّوم إلى المقتدر يطلبان المهادنة والفداء فأجاب المقتدر إلى ما طلب ملك الروم من الفداء، وسير مؤنسا الخادم ليحضر الفداء، وجعله أميرا على كل بلد يدخله، يتصرف فيه على ما يريد إلى أن يخرج عنه، وأرسل معه/ مائة ألف وعشرين ألف دينار لفداء أسارى المسلمين.
قال [أبو الفرج] بن الجوزىّ فى خبر الرسل «3» إنهما أدخلا وقد عبّىء العسكر بالأسلحة التّامة وكانوا مائة ألف وستين ألفا، وكانوا من أعلى باب الشماسية إلى الدار، وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم الخوص بالبزة الظاهرة «4» والمناطق المحلاة، وكانوا سبعة آلاف خادم منهم أربعة آلاف بيض وثلاثة آلاف سود، وكان الحجّاب سبعمائة حاجب، وفى دجلة الطيّارات والزّبازب والسّميريّات بأفضل زينة. فسار الرسولان فمرّا على دار نصر القشورى الحاجب، فرأيا منظرا عجيبا فظنّاه الخليفة وهاباه حتى
قيل إنه الحاجب، ثم حملا إلى دار الوزير فرأيا أكثر من ذلك ولم يشكا أنه الخليفة فقيل إنه الوزير.
قال: وزيّنت دار الخلافة، وطيف بهما فيها فشاهدا ما هالهما، وكانت الستور ثمانية وثلاثين ألف ستر من الديباج، المذهبة منها اثنا عشر ألفا وخمسمائة، وكانت البسط والنّخاخ «1» اثنين وعشرين ألفا وكان فى الدار من الوحش قطعان تأنس بالناس وتأكل من أيديهم، وكان هناك مائة سبع كلّ سبع بيد سبّاع.
ثم أخرجا إلى دار الشجرة، وكانت شجرة فى وسط بركة فيها ماء صاف، والشجرة/ ثمانية عشر غصنا لكلّ غصن منها شاخات كثيرة عليها الطيور والعصافير من كلّ نوع مذهبة ومفضضة.
وأكثر قضبان الشجرة فضة وبعضها مذهبة وهى تتمايل، وبها ورق مختلف الألوان، وكل من هذه الطيور تصفر. ثم أدخلا إلى الفردوس، وكان فيه من الفراش والآلات ما لا يحصى، وفى دهاليزه عشرة آلاف جوشن «2» مذهبة معلقة قال: ويطول شرح ما شاهدا من العجائب إلى أن وصلا إلى المقتدر وهو جالس على سرير أبنوس قد فرش بالدّيبقى المطرّز وعن يمنة السرير تسعة عقود معلقة وعن يسرته تسعة أخرى من أفخر الجواهر يضىء ضوؤها على ضوء النهار