الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتقنطر به فرسه فسقط عنه فى ساقية فلحقه غلام له اسمه يمن فضربه بالطبرزين حتى أثخنه/ وكسر عظامه ثم نزل إليه فذبحه، ثم رفع رأسه وكبّر فانهزم أصحابه وتفرقوا ودخل بعضهم بغداد سرّا. ونهب سواد هارون، وقتل جماعة قواده، وأسر جماعة، وسار محمد إلى موضع جثة هارون فأمر بحملها إلى مضربه وأمر بغسله وتكفينه وصلّى عليه ودفنه، ودخل بغداد ورأس هارون بين يديه ورؤوس جماعة من قواد هارون فنصبت ببغداد!
ذكر مقتل ابن الشلمغانى ومذهبه
فى هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن على الشّلمغانى المعروف بابن أبى العراقيد «1» ، وشلمغان التى ينسب إليها قرية بنواحى واسط، وكان سبب ذلك أنه قد أحدث مذهبا غاليا فى التشيّع والتناسخ وحلول الإلهية فيه، إلى غير ذلك، وكان ظهوره فى مبدأ وزارة حامد بن العباس أحد وزراء المقتدر بالله، ثم اتصل الشّلمععانى بالمحسن بن الفرات فى وزارة أبيه الثالثة، ثم طلب في وزارة الخاقانى فاستتر وهرب إلى الموصل. وبقى سنين عند ناصر الدولة بن حمدان، ثم انحدر إلى بغداد واستتر، ثم ظهر عنه أنه يدّعى الربوبية لنفسه. وقيل إنه اتّبعه على ذلك الحسين ابن القاسم بن عبيد الله «2» بن سليمان بن وهب/ الذى
وزر للمقتدر بالله، وأبو جعفر، وأبو على ابنا بسطام، وإبراهيم ابن محمد بن أبى عون، وابن شبيب ويزيد وأحمد بن محمد بن عبدوس.. كانوا يعتقدون ذلك فيه وظهر ذلك عنهم، وطلبوا فى وزارة بن مقلة للمقتدر فلم يوجدوا.
فلما كان فى شوال سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ظهر ابن الشّلمغانىّ فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه وكبس داره فوجد فيها رقاعا وكتبا ممّن يدعى فيه الربوبية يخاطبونه بما لا تخاطب به البشر بعضهم بعضا. وفيها خط الحسين بن القاسم، فعرضت الخطوط عليه فأقرّ أنها خطوطهم وأنكر مذهبه، وأظهر الإسلام وتبّرأ مما يقال فيه. فأخذ ابن أبى عون وابن عبدوس فأحضرا معه عند الخليفة وأمرا بصفعه فامتنعا، فلما أكرها صفعه ابن عبدوس، ومدّ ابن أبى عون يده إلى لحيته ورأسه فارتعدت يده فقبّل لحيته ورأسه وقال: إلهى وسيدى ورازقى! فقال له الراضى: قد زعمت أنك لا تدّعى الإلهيه فما هذا؟ فقال: وما علىّ من قول ابن أبى عون، والله يعلم أننى ما قلت له إنى إله قط! فقال ابن عبدوس: إنه لم يدّع الإلهية وإنما ادّعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر مكان الحسين بن روح! ثم أحضروا عدة مرات ومعهم القضاة والفقهاء وغيرهم، وفى آخر الأمر أفتى الفقهاء بإباحة دمه/ فصلب هو وابن أبى عون، وأحرقا بالنّار فى ذى القعدة. وكان الحسين بن القاسم بالرّقّة فأرسل الراضى بالله إليه فقتل فى ذى القعدة، وحمل رأسه إلى بغداد.
وكان مذهب الشلمغانى أنه إله الآلهة بحقّ الحق، وأنه الأول القديم، الظاهر الباطن، الرازق التام، المومأ إليه بكلّ معنى. وكان يقول: إن الله سبحانه وتعالى يحلّ فى كل شىء على قدر ما يحتمل، وإنه خلق الضّدّ ليدلّ على المضدود، فمن ذلك أنه حل فى آدم عليه السلام لما خلقه، وفى إبليس لما خلقه وكلاهما ضدّ لصاحبه لمضادته إياه فى معناه، وأنّ الدليل على الحقّ أفضل من الحقّ، وأن الضد أقرب إلى الشى من شبيهه، وأن الله عز وجل إذا حلّ فى جسد ناسوتى أظهر من المقدرة المعجزة ما يدل على أنه هو، وأنه لما غاب آدم ظهر اللاهوت فى خمسة ناسوتية كلما غاب منهم واحد ظهر مكانه آخر فى خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة، ثم اجتمعت اللاهوتية فى إدريس وإبليسه وتفرّقت بعدهما كما تفرقت بعد آدم، واجتمعت فى نوح عليه السلام وإبليسه وتفرّقت بعدهما، واجتمعت فى صالح وإبليسه عاقر الناقة وتفرقت بعدهما، واجتمعت فى إبراهيم عليه السلام وإبليسه نمرود وتفرقت لمّا غابا واجتمعت فى موسى وإبليسه/ فرعون وتفرقت بعدهما، واجتمعت فى سليمان وإبليسه وتفرقت بعدهما، واجتمعت فى عيسى وإبليسه فلما غابا تفرقت فى تلاميذ عيسى وأبالستهم، ثم اجتمعت فى على بن أبى طالب وإبليسه.
وإنّ الله يظهر فى كل شىء وكلّ معنى، وإنه فى كل أحد بالخاطر الذى يخطر فى قلبه فيتصوّر له ما يغيب عنه حتّى كأنه يشاهده. وإن الله اسم لمعنى، وإن من احتاج الناس إليه فهو إله،
ولهذا المعنى يستوجب كل أحد أن يسمى إلها، وأن كل أحد من أشياعه لعنه الله يقول: إنه ربّ لمن هو فى دون درجته. وأن الرجل منهم يقول «أنا رب لفلان وفلان رب ربى» حتى يقع الانتهاء إلى ابن الشلمعانى فيقول: أنا رب الأرباب لا ربوبية بعده! ولا ينسبون الحسن والحسين رضى الله تعالى عنهما إلى علىّ، لأن من اجتمعت له الربوبية لا يكون له ولد ولا والد.
وكانوا يسمون موسى ومحمدا صلوات الله عليهما الخائنين، لأنهم يدّعون أن هارون أرسل موسى وعليا أرسل محمدا فخاناهما.
ويزعمون أن عليا أمهل محمدا عدة سنين أصحاب الكهف فإذا انقضت العدة وهى ثلاثمائة وخمسون سنة انتقلت الشريعة.
ويقولون: إن الملائكة كل من ملك نفسه وعرف الحق، وإن الجنة معرفتهم وانتحال مذهبهم والنار الجهل بهم والعدول عن مذهبهم/ ويعتقدون ترك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات، ولا يتناكحون بعقد ويبيحون الفروج، ويقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى كبراء قريش وجهابذة العرب ونفوسهم أبية فأمرهم بالسجود، وإن من الحكمة الآن أن يمتحن النّاس بإباحة فروج نسائهم، وإنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوى رحمه وحرم صديقه وابنه بعد أن يكون على مذهبه، وإنه لا بدّ للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النورّ فيه، ومن امتنع من ذلك قلب فى الدور الذى يأتى بعد هذا العالم إمرأة؛ إذ كان مذهبهم التناسخ.