الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى سنة أربع عشرة ومائتين سار عبد الرحمن إلى مدينة باجة «1» وكانت عاصية عليه فملكها عنوة.
وفيها خالف هاشم الضراب بمدينة طليطلة، وكان هاشم ممن خرج من طليطلة لما أوقع الحكم بأهلها، وسار إلى قرطبة، فلما كان الآن سار إلى طليطلة فاجتمع إليه أهل الشر والفساد فسار إلى وادى جونيه «2» وأغار على البربر وغيرهم فطار اسمه واشتدّت شوكته وكثر جمعه فأوقع بأهل شنت بريّه. وكان بينه وبين البربر وقعات كثيرة، فسيّر إليه عبد الرحمن جيشا فقاتلوه فلم تستظهر إحدى الطائفتين على الأخرى، وغلب/ هاشم على عدّة مواضع وجاوز بركة العجوز وأبعدت غارة خيله. فسيّر إليه عبد الرحمن جيشا فى سنة ستّ عشرة ومائتين فلقيهم هاشم بالقرب من حصن سمسطا المجاور لرورية «3» فدامت الحرب بينهم عدّة أيّام ثم انهزم هاشم وقتل هو وكثير ممّن معه
ذكر محاصرة طليطلة وفتحها
وفى سنة تسع عشرة ومائتين جهز عبد الرحمن جيشا مع ابنه أمية إلى مدينة طليطلة فحصرها- وكانوا قد خالفوا
وخرجوا عن الطاعة- فاشتد فى حصارهم وقطع أشجارهم وأهلك زرعهم، فلم يذعنوا إلى الطاعة فرحل عنهم وترك بقلعة رباح جيشا عليهم ميسرة المعروف بفتى أبى أيوب. فلما أبعد أمية خرج جمع كثير من أهل مدينة طليطلة لعلّهم يجدون فرصة وغفلة فينالون منه ومن أصحابه غرضا، وكان قد بلغه الخبر فكمن فى عدة مواضع. فلما وصلوا إلى قلعة رباح خرج الكمين عليهم من جوانبهم ووضعوا السّيف فيهم فأكثروا القتل وعاد من سلم منهزما إلى طليطلة، وجمعت رؤوس القتلى وحملت إلى ميسرة فلما رأى كثرتها عظم عليه وارتاع لذلك، ووجد فى نفسه غمّا شديدا، فمات بعد أيام يسيرة! ثم سيّر عبد الرحمن جيشا فى سنة/ عشرين ومائتين فقاتلوا ولم يظفروا منها بشىء. فلما كان فى سنة إحدى وعشرين ومائتين خرج جماعة من أهلها إلى قلعة رباح وبها عسكر لعبد الرحمن فاجتمعوا كلّهم على حصار طليطة وضيّقوا على أهلها واشتدّوا فى حصارهم إلى سنة اثنتين وعشرين ومائتين، فسير عبد الرحمن أخاه الوليد بن الحكم فرأى أهلها وقد بلغ بهم الجهد كلّ مبلغ واشتدّ عليهم طول الحصار وضعفوا عن القتال والدفع، ففتحها عنوة يوم السبت لثمان خلون من شهر رجب منها، وأمر بتجديد القصر على باب الجسر الذى كان هدم أيام الحكم، وأقام بها آخر شعبان سنة ثلاث وعشرين حتى استقرّت قواعد أهلها.
وفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين سيّر عبد الرحمن جيشا
إلى ألبة والقلاع فنازلوا حصن الفرات، وقتلوا أهله، وغنموا ما فيه وسبوا النساء والذّرّية وعادوا.
وفى سنة أربع وعشرين سيّر جيشا عليهم عبيد الله بن عبد الله البلنسى إلى بلاد العدو، فوصلوا ألبة والقلاع فالتقوا هم والمشركون، وكانت بينهم حروب شديدة وقتال عظيم انهزم أهل الشرك، وقتل منهم ما لا يحصى كثرة، وجمعت الرؤوس حتى كان الفارس لا يرى من يقاتله! ثم سار عبد الرحمن فى سنة خمس وعشرين فى جيش كثيف إلى بلاد المشركين فدخل بلاد جليقية وافتتح عدة حصون منها، وغنم وسبى وقتل/ وخرّب ثم عاد إلى قرطبة ولم تطل مدّة هذه الغزاة.
وفى سنة أربع وعشرين ومائتين سيّر الأمير عبد الرحمن جيشا إلى أرض العدو، فلما كانوا بين أوشنة وشرطانية «1» تجمعت الرّوم عليهم وأحاطوا بهم وقاتلوهم الليل كلّه، فلما أصبحوا أنزل الله نصره على المسلمين وهزم عدوّهم. وأبلى موسى بن موسى فى هذه الغزاة بلاء حسنا، وكان على مقدمة العسكر وهو العامل على تطيلة، وجرى بينه وبين جرير بن موفّق- وهو من أكابر الدولة- أيضا شر فخرج موسى عن طاعته.