الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأن يكشف وجوه النساء، وإن وجد رقعة رفعها إلى مؤنس ففعل ذلك وزاد عليه حتى إنه جمل إلى دار القاهر لبن فأدخل يده فيه. ونقل يلبق من كان بدار القاهر محبوسا إلى داره كوالدة المقتدر وغيرها، وقطع أرزاق حاشيته. فعلم القاهر أن العتاب لا يفيد وأنّ ذلك برأى مؤنس وابن مقلة، فأخذ فى الحيلة والتدبير/ على جماعتهم. وكان قد عرف فساد قلب طريف السبكرى وبشرى خادم مؤنس «1» وحسدهما ليلبق وولده على مراتبهما، فشرع فى إغرائهما بيلبق وابنه. وعلم أيضا أن مؤنسا ويلبق أكثر اعتمادهما على الساجية أصحاب يوسف بن أبي الساج وغلمان المنتقلين إليهما بعده، وكانا قد وعداهم بالموصل مواعد أخلفاها فأرسل القاهر إليهم وأغراهم بهما وحلف لهم على الوفاء بما أخلفاه، فتغيرت قلوب الساجية. ثم أرسل أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله وكان صاحب مشورة ابن مقلة، ووعده بالوزارة فكان يطالعه بالأخبار.
ذكر القبض على مؤنس المظفر ويلبق الحاجب وابنه
وسبب ذلك أنه صحّ عندهم أن القاهر يدبّر عليهم فخافوه، وحملهم الخوف على الجدّ فى خلعه، واتّفق رأيهم على البيعة لأبى أحمد بن المكتفى، فاستخلفوه وعقدوا له البيعة سرّا، وحلف له يلبق وابنه علىّ والوزير ابن مقلة والحسن بن هارون ثم كشفوا الأمر لمؤنس فقال: لست أشكّ فى شرّ القاهر وخبثه، ولقد كنت كارها
/ لخلافته وأشرت بابن المقتدر بالله فخالفتم رأيى، وفد بالغتم فى الاستهانة به وما صبر على الهوان إلا من خبث طويّته ليدبّر عليكم، فلا تعجلوا حتى تؤنسوه وينبسط إليكم ثم تعرفوا من وطأه من القواد والساجبة والحجرية واعملوا بعد ذلك! فقال علىّ بن يلبق والحسن بن هارون: ما يحتاج إلى هذا التطويل فإن الحجبة لنا والدار فى أيدينا وما نحتاج [إلى]«1» أن نستعين فى القبض عليه بأحد لأنه بمنزلة طائر فى قفص! وعملوا على معالجته.
فاتفق أن سقط يلبق من الدّابة فاعتلّ ولزم بيته، فاتفق على وابن مقلة وحسّنا لمؤنس خلع القاهر وهوّنا عليه أمره، فأذن لهما.
فاتّفق رأيهما على أن يظهر أنّ أبا طاهر القرمطى دخل الكوفة وأن علىّ بن يليق سائر لقتاله ومنعه من بغداد، فإذا دخل لوداع القاهر بالله قبض عليه،. فأشاعا ذلك، وكتب ابن مقلة رقعة إلى الخليفة يعرّفه ذلك ويقول:«إننى قد جهّزت علىّ بن يلبق ليسير فى هذا اليوم وأن يحضر العصر للخدمة ليأمره مولانا بما يراه» فكتب القاهر فى جوابه يشكره ويأذن فى حضور ابن يلبق. فجاء جواب الخليفة وابن مقلة نائم فتركوه ولم يوصلوه إليه. فلما استيقظ كتب رقعة أخرى فى المعنى، فأنكر القاهر الحال.
فهو فى هذا إذ وصلته رقعة طريف السبكرى يذكر أن عنده نصيحة وأنه قد حضر فى زىّ النّساء لينهيها إليه، فاجتمع به القاهر، فذكر له جميع ما عزموا عليه [وما هم فيه]«2» وما فعلوه من
التدبير. فأنفذ القاهر إلى الساجية فأحضرهم متفرقين وكمنهم فى الدهاليز والمرات والرّواقات، وحضر على بن يلبق بعد العصر وفى رأسه نبيذ ومعه عدد يسير من أصحابه فى طيار له. وأمر جماعة من أصحابه بالركوب إلى الأبواب وصعد من الطيار وطلب إذن القاهر فلم يأذن له فغضب وأساء أدبه وقال: لا بدّ من لقائه شاء أو أبى! فأمر القاهر الساجية بردّه، فخرجوا إليه وشتموه وشتموا أباه، وشهروا سلاحهم وتقدموا إليه، ففرّ أصحابه عنه وألقى نفسه فى الطيّار وعبر إلى الجانب الغربى واختفى من ساعته.
وبلغ ابن مقلة الخبر فاستتر، واستتر الحسن بن هارون، فلما سمع طريف الخبر ركب فى أصحابه بالسلاح، وحضر إلى دار الخليفة ووقف عند القاهر بالله. فعظم الأمر حينئذ على ابن يلبق وجماعتهم وأنكر يلبق ما جرى على ابنه، وسبّ الساجية وركب إلى دار الخليفة فى جميع القوّاد الذين بدار مؤنس، فلم يصل إلى القاهر وقبض عليه وعلى أحمد بن زيرك صاحب الشرطة وحبسهما وحصل الجيش/ كلّهم فى الدّار فأنفذ القاهر إليهم وطيّب قلوبهم ووعدهم الزيارة، وأنه يوقف هؤلاء على ذنوبهم ثم يطلقهم ويحسن إليهم فعادوا وراسل القاهر مؤنسا فى الحضور عنده ليعرض عليه ما وقع عليهم ليفعل ما يراه وقال:: إنه عندى بمنزلة الوالد، وما أحبّ أن أعمل إلا عن رأيه! فاعتذر مؤنس عن الحركة، ونهاه أصحابه عن الحضور إليه فلما كان من الغد أحضر القاهر طريفا السبكرى وناوله خاتمه
وقال له: قد فوّضت إلى ولدى عبد الصّمد ما كان المقتدر فوّضه إلى ابنه محمد وقلدتك خلافته ورئاسة الجيش وإمارة الأمراء وبيوت الأموال كما كان ذلك إلى مؤنس فامض إليه واحمله إلى الدار فإنه مادام فى منزله يجتمع إليه من يريد الشر ولا نأمن أمره! فمضى إلى دار مؤنس وعنده أصحابه فى السلاح فسأله أصحاب مؤنس عن الحال فذكر سوء صنيع يلبق وابنه فكلّهم سبّهما، وعرّفهم ما أخذ لهم من الأمان والعهود فسكنوا. ودخل إلى مؤنس وقد استولى عليه الكبر والضّعف وأشار عليه بالحضور عند القاهر وقال: إن تأخرت طمع ولو رآك نائما ما تجاسر أن يوقظك! / فسار إليه، فلما دخل الدّار قبض عليه وحبسه، وذلك فى مستهل شهر شعبان.
وأمر القاهر بالختم على دور من قبض عليهم ونقل دوابّهم ووكل بحريمهم، وأمر بنقل ما فى دار ابن مقلة وحرقها، ونهبت دور المعتقلين بها. وظهر محمد بن ياقوت وقام بالحجبة، ثم رأى كراهة طريف والساجية له فاختقى وهرب إلى ابنه بفارس، فكاتبه القاهر يلومه على عجلته بالهرب وقلده كور الأهواز، واستقدم القاهر عيسى الطبيب من الموصل، وجدّ القاهر بالله فى طلب أحمد بن المكتفى، فظفر به، فبنى عليه حائطا وهو حىّ فمات. وظفر بعلى بن يلبق، واستعمل على الحجبة سلامة الطولونىّ وعلى الشرطة أحمد بن خافان.