الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن حمّود بمدينة مالقه، والرابع إدريس بن يحيى بن على بشنترين «1» .
/وأقام المدّعى أنه هشام بن الحكم نيّفا وعشرين سنة والقاضى محمد ابن إسماعيل فى رتبة الوزير بين يديه، والأمر إليه. وقد استقام لمحمد أكثر بلاد الأندلس، ودفع به كلام الحسّاد وأهل العناد، إلى أن توفى هشام المذكور. فاستبد القاضى بالأمر بعده وملك أكثر مدن الأندلس وحصونها. ولم ينتقل عن مدينة إشبيلية بل جعلها دار ملكه، واستقامت له الأمور، وأطاعته المدن والثغور، واجتهد فى جهاد الفرنج. وكان له فى ذلك القدم المشهور، ومات محمد فى عشر الخمسين وأربعمائة، وولى بعده ابنه عباد.
ذكر ولاية أبى عمرو عباد بن محمد
ولى بعد أبيه وتلقّب المعتضد بالله، وكان فيه كرم وبأس.
فطابت أيامه، وحسنت أفعاله، واستقامت له الأحوال، ورفعت له من بلاد الأندلس الأموال. قال «2» : واتفق له واقعة غريبة فى سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وهى أنه شرب ليلة مع رجاله وندمائه فلما عملت فيه الخمر صرفهم وخرج فى الليل ومعه رجل واحد من عبيده.
وسار نحو قرمونة وهى [تبعد]«3» عن مدينة إشبيلية ثمانية عشر ميلا، وكان صاحب قرمونة إسحاق بن سليمان البرزالى وقد/ جرت بينه وبينه حروب.
فسار عبّاد حتى أتى قرمونة، وكان إسحاق تلك الليلة فى جماعة من أهل بيته يشربون، فدخل عليه بعض خدّامه فقال: إن صاحب الحرس ذكر أنّ المعتضد عبّادا قائم على باب المدينة ليس معه إلا رجل واحد وهو يستأذن عليك! فعجب القوم من ذلك غاية العجب، وخرج إسحاق ومن عنده إلى باب المدينة فسلّم على عبّاد وأدخله إلى القصر، وأمر بتجديد الطعام والشراب. فلما شرع فى الأكل تذكر ما فعل فسقط فى يده ولم يطق أن يسفه، وندم على ما صنع لما يعلم بينه وبين برزال من الحرب وسفك الدماء، فأظهر التجلّد والانشراح ثم قال لإسحاق:
أريد أن أنام! فرفعه على الفراش، فأراهم عبّاد أنه نائم، فقال بعض القوم لبعض: هذا كبش سمين حصل لكم، والله لو أنفقتم عليه ملك الأندلس ما قدرتم على حصوله فى أيديكم، وهو شيطان الأندلس وإذا قتل خلصت لكم البلاد! فقام معاذ بن أبى قرّة وكان من كبرائهم فقال: والله لا فعلنا هذا ولا رضينا به، رجل قصدنا ونزل بنا، ولو علم أنّا نرضى فيه بقبيح لما أتانا مستأمنا إلينا، كيف تتحدث القبائل عنّا أننا قتلنا ضيفنا وخفرنا ذمّتنا، فعلى من يرضى هذا لعنة الله! وهو يسمع فنزل عن السرير فقام القوم بأجمعهم/ فقبّلوا رأسه وجددوا السلام عليه فقال لحاجبه: أين نحن؟ قال: فى منزلك وبين أهلك وإخوانك! قال: ائتونى بدواة وقرطاس.
فأتوه بهما، فكتب أسماء القوم، وكتب لكلّ واحد بخلعة ودنانير وأفراس وعبيد وجوار، وأمر أن يرسل كلّ واحد منهم رسولا ليقبض
ذلك. ثم ركب وخرج القوم يشيّعونه إلى قرب إشبيلية، فصرفهم ودخل. وأرسلوا من قبض لهم ما كتب به، ثم أغفلهم ستّة أشهر وكتب إليهم بستدعيهم لوليمة، فجاءه سبعون رجلا منهم فأنزلهم عند رجاله، وأنزل معاذا عنده. وأمر بهم فأدخلوا حماما، وبنى عليهم بابه، فماتوا جميعا، فعزّ ذلك على معاذ بن أبى قرة فقال له عبّاد:
لا ترع فإنهم قد حضرت آجالهم وقد أرادوا قتلى، ولولاك ما كنت ناجيا منهم، وإنما جعل الله صيانه دمى بك، فإن أردت الرجوع إلى بلدك رددتك على أجمل الوجوه وأحسنها وأسرّها! فقال له معاذ:
بأىّ وجه أرجع أنا دونهم؟
فأمر له المعتضد بألف دينارة وعشرة أفراس وثلاثين جارية وعشرة أعبد، وأنزله فى قصر من أعظم قصوره، وأقطعه فى كلّ عام اثنى عشر ألف دينار، وكان ينفذ إليه فى كل يوم التّحف والطرف. ولم يكن يحضر مجلسه أحد قبله/ إلى أن مات عبّاد فأوصى ولده بمعاذ وقال: يا بنى احفظنى فيه! فجرى فيه على عاده أبيه، ودام بإشليية حتى انقرضت دولة بنى عبّاد.
قال بعض أهل إشبيلية: رأيت معاذ بن أبى قرة يوم دخل يوسف بن تاشفين إشبيلية أوّل النهار وعليه ثوب ديباج مخرطم بالذهب وأمامه نحو من ثلاثين عبدا، ورأيته آخر النهار عليه مليس «1» مشتمل به فسبحان من لا يزول ملكه، نسأل الله تعالى أن لا يسلبنا ثوب نعمة أنعمها علينا بمنّه وكرمه.
وفى أيام عبّاد توفى الإمام الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن سعدان بن سفيان بن يزيد الفارسى مولى يزيد بن أبى سفيان بن حرب بن أمية. أصل آبائه من قرية منت ليسم من عمل الولبة «1» من كور غرب الأندلس، وسكن هو وآباؤه قرطبة ونالوا بها جاها عريضا ومالا وممدودا. وولّى ابن أبى عامر جدّه سعيدا الوزارة، وولى أبو محمد هذا الوزارة فى أيام المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار الأموى. وكان مولده يوم الأربعاء سلخ شهر رمضان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ووفاته فى سلخ شعبان سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وكانت مدة حياته اثنتين وسبعين سنة وأحد عشر شهرا. وله كثير من لصنّفات،/ ذكر أنه اجتمع مع الإمام أبى الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجى صاحب التواليف- وقيل بل الفقيه إبراهيم الخفاجى- فجرت بينهما مناظرة، فلما انقضت قال الفقيه أبو الوليد: تعذرنى فإن أكثر مطالعتى كانت على سرج الحرّاس! فقال له ابن حزم:
وتعذرنى أيضا فإن أكثر مطالعتى كانت على منابر الذهب والفضة! «2» وفى سنة ستين وأربعمائة توفى المعتضد بالله عبّاد بن محمد، وحكى أنه استحضر مغنيا يغنيه ليجعل أوّل ما يبدأ به فألا فكان أول شعر قاله:
نطوى الليالى علما أن ستطوينا
…
فشعشعينا بماء المزن واسقينا