الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما أراد أن يقوّى عزمه على إرساله فقال: لا أجد لها غيرك.
فسار القاضى، وصحبه أبو بكر بن القصيرة الكاتب إلى أمير المسلمين، فوجداه بسبتة، فأبلغاه الرسالة. وأعلماه بحال المسلمين وما هم عليه من الخوف والجزع من الأذفونش، وأنهم يستنصرون بالله ثم به؛ وأن المعتمد يستنجده عليه. فأمر يوسف فى الحال بإدخال العساكر إلى الجزيرة الخضراء، وأقام بسبتة وأنفذ إلى مراكش فى طلب من بقى، ودخل فى آخر العساكر.. هذا ما نقله أهل التاريخ، أن القاضى وابن القصيرة كانا رسولين إليه، وقيل إن المعتمد بن عبّاد سار بنفسه بغير واسطة وتلطّف فى الدخول عليه إلى أن انتهى إلى آخر بواب فقال له: قل لأمير المسلمين إن ابن عبّاد بالباب! فلما أعلمه بذلك ارتاع وظن أنه قدم بعساكره، وسأله عن حقيقة الحال فقال: هو ببابك وحده فأذن له، فدخل عليه، فأكرمه ووعده النصر. وعاد ابن عباد، ولحقه أمير المسلمين.
ذكر وقعة الزلاقة
وانهزام الفرنج لعنهم الله/ قال «1» : وجمع المعتمد العساكر وأقبل أمير المسلمين بعساكره، واجتمعوا كلهم بإشبيلية، وخرج من أهل قرطبة- من المتطوعين- أربعة آلاف فارس وراجل. وجاء المسلمون من بلاد الأندلس، من كل بلد وحصن. واتصلت الأخبار بالأذفونش،
فخرج من طليطلة فى أربعين ألف فارس غير من أنضاف إليها، وكتب إلى يوسف كتابا كتبه عنه رجل من أدباء المسلمين يغلظ فيه القول ويصف ما عنده من القوة والعدد والعدد، ووسّع وأطال وبالغ. ووصل الكتاب إلى يوسف بن تاشفين فأمر الكاتب أبا بكر ابن القصيرة أن يجاوبه. وكان كاتبا مجيدا- فكتب وأطال وبالغ، فلما قرأه على يوسف استطاله وكتب على ظهر كتابه» الذى يكون ستراه»
ولا كتب إلى المشرفيّة والقنا
…
ولا رسل إلا بالخميس العرمرم
وردّه إليه، فلما قرأ الجواب ارتاع وقال: هذا رجل له عزم! قال «1» : ولما استعد الأذفونش للّقاء رأى فى منامه كأنه راكب فيلا وبين يديه طبل صغير ينقر فيه، فقصّ ذلك على القسيسين فلم يعرفوا تأويله، فاستحضر رجلا مسلما عالما ديّنا فاستعفاه من القول فأمّنه وعزم عليه، فقال: تأويل هذه الرؤيا فى آيتين من كتاب الله عز وجل! وقرأ سورة الفيل، وقوله تعالى «فإذا نقر فى/ النّاقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير» «2» وذلك يقتضى هلاك الجيش الذى تجمعه.
فلما اجتمع الجيشس وعبّأه أعجبته كثرته، فاستحضر المعبر وقال له: هذا الجيش الذى ترى ألقى به محمدا صاحب كتابكم! فانصرف المعبّر عنه وقال: هذا الملك هالك لا محالة وكلّ من معه
فإنه قد أعجب بجمعه
…
وذكر قول النبىّ صلى الله عليه وسلم «ثلاث مهلكات» الحديث
…
قال «1» : وسار المعتمد بن عبّاد وأمير المسلمين بالعساكر حتى أتوا موضعا يقال له الزلّاقة من بلد بطليموس «2» وأتى الأذفونش فنزل موضعا بينه وبينهم- ثمانية عشر ميلا، فقيل ليوسف بن تاشفين إنّ ابن عبّاد ربما لم ينصح ولا يبذل نفسه دونك، فأرسل تقول له «كن فى المقدمة ونكون نحن فى أثرك» .
فتقدّم ابن عباد.
وضرب الأذفونش خيامه فى سفح جبل والمعتمد بن عبّاد فى سفح جبل آخر بحيث يتراءان، ونزل يوسف بن تاشفين فى جبل من وراء الجبل الذى فيه المعتمد. وظنّ الأذفونش أن عسكر المسلمين ليس إلّا ذاك الذى يظهر له مع المعتمد والأذفونش فى زهاء خمسين ألف فارس، فما شكّ أنه الغالب واستعمل الخدعة. وأرسل ابن عبّاد فى ميقات اللقاء يوم الخميس، وقال: نحن قد وصلنا على حال تعب وأمامكم الجمعة وأمامنا الأحد فيكون اللقاء يوم/ الإثنين بعد أهبة! فاستقر الأمر بينهما على ذلك.
ثم ركب الأذفونش صبيحة الجمعة ليلا، وصبّح بجيشه جيش المعتمد، فوقع القتال بينهم، فصبر المسلمون وقتل منهم خلق كثير، وأشرفوا على الانهزام. وقد كان المعتمد أرسل إلى ابن
تاشفين فقال للأدلّة: احملونى إلى مضارب الأذفونش! فما شعر الفرنج إلا وقد نهبت خيامهم وخزائن الأذفونش وعدده، والقتل يعمل فيهم من رواء ظهورهم. فلم يتمالك الفرنج أن انهزموا وأخذهم السيف من كلّ مكان، فقتلوا عن آخرهم، فما سلم إلا آحاد! وهرب الأذفونش فى نفر يسير ودخل طليطلة فى سبعة فوارس، ولم يرجع من الفرنج إلى بلادهم غير ثلاثمائة نفر أكثرهم رجّالة.
وكانت هذه الوقعة فى يوم الجمعة فى العشر الأول من شهر رمضان سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وأصاب المعتمد جراحا فى وجهه، ووصف فى ذلك اليوم بالشجاعة. وغنم المسلمون من أموال الفرنج وأسلحتهم ما لا يحصى كثرة، وجعل المسلمون رؤوس القتلى كوما كبيرا وصعدوا عليه وأذّنوا إلى أن جافت فأحرقوها!.
وعاد المعتمد إلى إشبيلية، ورجع أمير المسلمين إلى الجزيرة الخضراء وعدّى إلى سبته وسار إلى مراكش. وعاد فى السنة الثانية إلى جزيرة الأندلس وحاصر/ ليطة «1» هو وابن عباد وصاحب غرناطة «2» ، فلم يتهيأ لهم فتحه، فرجع وأخذ غرناطة من صاحبها عبد الله بن بلكمين، وهى أول ما ملكك من بلاد الأندلس على ما نذكره إن شاء الله تعالى.