الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغرق البيمارستان العضدى، ودخلت المراكب من شبابكيه وكانت قد تقلعت.
وفيها سقط الأمير أبو العباس أحمد- وهو الذى صار خليفة ولقّب الناصر لدين الله- من قبة عالية إلى أرض التاج ومعه غلام له اسمه نجاح، فألقى نفسه بعده وسلما جميعا فقيل لنجاح:
لم ألقيت بنفسك؟ فقال: ما كنت أريد البقاء بعد مولاى! فرعى له الأمير أبو العباس ذلك فلما صار خليفة جعله شرابيا وحكّمه فى الدولة ولقبه الملك الرحيم عز الدين وخدمه جميع أمراء العراق.
وفيها فى شهر رمضان وقع ببغداد برد كبار ما رأى الناس مثله فهدم الدّور وقتل جماعة من الناس والمواشى، فوزنت بردة منه فكانت سبعة أرطال، وكان عامته كالنارنج يكسر الأغصان، قال ابن الأثير هكذا ذكره أبو الفرج بن الجوزى فى تاريخه والعهدة عليه فيه «1» .
ذكر هرب قطب الدين قايماز/ من بغداد وعود عضد الدين إلى الوزارة
كان سبب ذلك وابتداؤه أن علاء الدين تنامش- وهو من أكابر الأمراء ببغداد- وقطب الدين قايماز زوج أخته سيّرا عسكرا إلى العراق فى شوال سنة سبعين وخمسمائة فنهبوا النّاس وبالغوا فى
أذاهم، فجاء جماعة منهم إلى بغداد واستغاثوا فلم يغاثوا لضعف الخلافة وتحكم قايماز وتنامش على الدولة، فقصدوا جامع القصر واستغاثوا ومنعوا الخطيب من الخطبة فأنكر الخليفة ما جرى، فلم يلتفت قايماز وتنامش إلى قوله.
فلما كان فى خامس ذى القعدة قصد قايماز دار ظهير الدين بن العطار صاحب المخزن- وللخليفة به عناية تامة وبينهما صحبة- فلم يراع قايماز الخليفة فيه، واستدعاه فهرب، فأحرق قطب الدين قايماز داره وحالف الأمراء على المساعدة والمعاضدة له، وجمعهم وقصد دار الخلافة لعلمه أن ابن العطار فيها.
فلما علم الخليفة ذلك صعد إلى سطح داره وظهر للعامة وأمر خادما فصاح وقال للعامة: مال قطب الدين لكم ودمه لى! فقصد الخلق كلّهم دار قطب الدين للنهب، فلم يمكنه المقام لضيق الشوارع، وغلبت العامة، فهرب من داره من باب فتحه من ظهرها لكثرة من على بابها من الخلق. وخرج من بغداد، ونهبت داره وسلبت نعمته فى/ ساعة واحدة وتبعه تنامش وجماعة من الأمراء، فنهبت دورهم وأحرق بعضها، وأخذت أموالهم.
وسار قطب الدين إلى الحلة ومعه من التحق من الأمراء، فسيّر الخليفة إليه شيخ الشيوخ صدر الدين فخدعه حتى سار عن الحلة نحو الموصل على البرّ فلحقه هو ومن معه عطش عظيم فهلك أكثرهم ومات قيماز قبل وصوله إلى الموصل. ودفن بظاهر
باب العمادى وكانت وفاته فى ذى الحجة. ووصل تنامش إلى الموصل فأقام مدة، ثم أمره الخليفة بالقدوم إلى بغداد فسار إليها وبقى بغير إقطاع! قال «1» : ولما هرب قايماز أعيد عضد الدين إلى الوزارة وقال بعض الشعراء فى قطب الدين قايمار وتنامش بن قماج:
إن كنت معتبرا بملك زائل
…
وحوادث عنقية الإدلاج «2»
فدع العجائب والتواريخ الألى
…
وانظر إلى قيماز وابن قماج
عطف الزّمان عليهما فسقاها
…
من صرفه كأسا بعير مزاج «3»
فتبدّلوا بعد القصور وظلّها
…
ونعيمها بمهامه وفجاج
فليحذر الباقون من أمثالها
…
نكبات دهر خائن مزعاج
قال «4» : وكان قطب الدين كريما طلق الوجه، محبا للعدل والإحسان، كثير البذل للمال، وإنما كان يحمله على ما يقع منه تنامش بغير إرادته.
وفى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ولّى الخليفة المستضىء حجبة الباب أبا نصر على بن الناقد «5» وكان الناس تلقبه
فى صغره قنبرا، فصار الناس يصيحون به بهذا اللقب إذا ركب.
فأمر أن يركب معه جماعة من الأتراك يمنعون الناس من ذلك، فامتنعوا فلما كان قبل العيد بثلاثة أيام خلع عليه ليركب فى الموكب، فاشترى جماعة من أهل بغداد شيئا كثيرا من القنابر وعزموا على إرسالها فى الموكب، فأنهى ذلك إلى الخليفة فعزله وولى ابن المعوج.
وفيها قبض الخليفة على عماد الدين صندل المقتفوى أستاذ الدار ورتّب مكانه أبا الفضل هبة الله بن على بن هبة الله بن الصاحب «1» .
ذكر مقتل الوزير عضد الدولة «2» وولاية ظهير الدين بن العطار
كان مقتله رحمه الله فى رابع ذى القعدة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وهو أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر ابن رئيس الرؤساء أبى القاسم [بن المسلمة] وسبب مقتله أنه عزم على الحج وعبر دجلة للمسير ومعه أرباب المناصب وهو فى موكب عظيم، وتقدم إلى أصحابه أن لا يمنعوا عنه أحدا، فلقيه إنسان/ كهل وقال: أنا مظلوم! وتقدّم إليه يسمع كلامه فضربه بسكين فى خاصرته، فصاح الوزير: قتلنى! ووقع إلى الأرض وسقطت عمامته، فغطّى رأسه بكمه وضرب الباطنىّ بسيف، وعاد إلى الوزير فضربه بسكين وأقبل صاحب الباب ابن المعوج لينصر الوزير. فضربه الباطنىّ بسكين،