الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعراب واتّفق معهم على قصد البصرة وأخذها، فساروا إليها ودخلوها ونهبوها وقتل مقدّم عسكرها فتجهز البرسقى لقتاله. فسمع دبيس ذلك ففارق البصرة وسار على البرّ إلى قلعة جعبر والتحق بالفرنج وحضر معهم حصار حلب وأطمعهم فى أخذها فلم يظفروا وعادوا عنها فى سنة ثمانى عشرة ثم فارقهم والتحق بالملك طغرل ابن السلطان محمد، وأقام معه وحسّن له قصد العراق «1» .
وفيها فى صفر أمر المسترشد ببناء سور بغداد وأن يجبى ما يخرج عليه من البلد فشقّ ذلك على النّاس، وجمع منه مال كثير. فلما علم كراهة النّاس لذلك أمر بإعادة ما أخذ منهم فسروا بذلك، وقيل إن الوزير أحمد ابن نظام الملك بذل من ماله خمسة عشر ألف دينار وقال «نقسط الباقى على أرباب الدولة» وكان أهل بغداد يعملون بأنفسهم فيه ويتناوبون العمل.
وفى سنة ثمانى عشرة وخمسمائة ملك الفرنج مدينة صور من نواب العلوى المصرى «2»
ذكر الاختلاف الواقع بين الخليفة المسترشد بالله وبين السلطان محمود:
/ وفى سنة عشرين وخمسمائة وقع الاختلاف بينهما وسببه أن يرنقش شحنة بغداد جرى بينه وبين نواب الخليفة منافرة فهدّده الخليفة بسببها فخاف على نفسه، فسار عن بغداد إلى السلطان وشكا إليه وحذره جانب الخليفة، وأعلمه أنه قاد العساكر وباشر الحرب وقويت
فلما سمع السلطان هذه الرسالة قوى عنده ما ذكر برنقش وصمّم على العزم وجدّ فى السّير فلما بلغ الخليفة الخبر عبر هو وأهله وجيوشه ومن عنده من أولاد الخلفاء إلى الجانب لغربى فى ذى القعدة مظهرا الغضب والانتزاح عن بغداد إن قصدها السلطان، فبكى النّاس بكاء شديدا لخروجه من داره فبلغ ذلك من السلطان كلّ مبلغ واشتدّ عليه، وأرسل/ إلى الخليفة يستعطفه ويسأله العود إلى داره فأعاد الجواب «أنه لا بد من عودة هذه الدفعة فإنّ الناس هلكى لشدة الغلاء وخراب البلاد» وأنه لا يرى فى دينه أن يزاد ما بهم! فغضب السلطان ورحل نحو بغداد، وأقام الخليفة بالجانب الغربى وأرسل عفيفا الخادم- وهو من خواصّه- فى عسكر إلى واسط ليمنع عنها نوّاب السلطان، وكان بها عماد الدين زنكى فقاتله فانهزم عسكر الخليفة وقتل منهم جماعة وأسر مثلهم، وتغافل زنكى عن عفيف حتى نجا لمودة كانت بينهما.
ثم إن الخليفة جمع السّفن جميعها وسدّ أبواب دار الخلافة سوى باب النوبى، وأمر صاحب الباب بالمقام فيه لحفظ الدار ولم يبق من حواشى الخليفة بالجانب الغربى سواه. ووصل السلطان إلى بغداد فى العشرين من ذى الحجة ونزل بباب الشماسيّة ودخل بعض عسكره إلى بغداد ونزلوا فى دور الناس، فشكا الناس إليه ذلك، وأمر بإخراجهم، وبقى بها من له دار. وبقى السلطان يراسل الخليفة فى العود ويطلب الصّلح وهو يمتنع، وكان يجرى بين العسكرين مناوشة والعامّة من الجانب الشرقى يسبّون السلطان أقبح سبّ وأفحشه.
ثم دخل جماعة من عسكر السلطان إلى دار الخلافة/ ونهبوا التّاج، فضجّ النّاس ونادوا: الغزاة الغزاة! وأقبلوا من كلّ ناحية، وخرج الخليفة من السرادق والشمسية على رأسه والوزير بين يديه، وأمر بضرب الكوسات والبوقات ونادى بأعلى صوته: يا آل هاشم! وأمر بتقديم السّفن، ونصب الجسر وعبر النّاس دفعة واحدة وكان له فى الدار ألف رجل قد أخفاهم فى السرداب، فظهروا وعسكر السلطان قد اشتغل بالنّهب فأسر منهم جماعة من الأمراء، ونهب العامّة دار وزير السلطان ودور جماعة من الأمراء ودار عز الدين المستوفى ودار الحكم أوحد الزمان، وقتل خلق كثير ممّن فى الدروب.
ثم عبر الخليفة إلى الجانب الشرقى ومعه ثلاثون ألف مقاتل من أهل بغداد والسّواد وأمر بحفر الخنادق فحفرت بالليل وحفظت
بغداد من عسكر السلطان، ووقع الغلاء عند العسكر واشتد الأمر عليهم وكان القتال كلّ يرم عند أبواب البلد وعلى شاطىّ دجلة.
وعزم عسكر الخليفة أن يكبسوا عسكر السلطان فغدر بهم الأمير أبو الهيجاء الكردى صاحب إربل «1» وخرج كأنه يريد القتال فالتحق بالسلطان! وكان السلطان قد أرسل إلى عماد الدين زنكى وهو بواسط يأمره بالحضور بنفسه ومعه/ المقاتلة فى السفن وعلى الظهر، فجمع كلّ سفينة بالبصرة وشحنها بالرجال المقاتلة. وسار إلى بغداد فلما قاربها أمر من معه بلبس السلاح وإظهار ما عندهم من الجلد والنهضة وسارت السفن فى الماء والعسكر فى البر على شاطىء دجلة وقد انتشروا وملأوا الأرض. فرأى النّاس ما ملأ قلوبهم هيبة، وعزم السلطان على الجد فى القتال، فعندها أجاب الخليفة المسترشد بالله إلى الصلح، وترددت الرسائل بينهما فاصطلحا.
وأقام السلطان ببغداد إلى عاشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين، وحمل الخليفة إليه من المال ما استقرت القاعدة عليه، وأهدى إليه سلاحا وخيلا وغير ذلك. ومرض السلطان ببغداد فأشار عليه الأطباء بمفارقتها فرحل إلى همذان فلما وصلها عوقى