الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراذانات ودقوقا «1» وخانيجار «2» ونهاوند والصيمرة «3» والسّيروان «4» وماسبذان «5» وغيرها. ونهبت دار الخليفة ومضى بننىّ بن يعيش إلى بريّة لوالدة المقتدر فأخرج من قبر فيها ستمائة ألف دينار وحملها إلى دار الخليفة. وكان خلع المقتدر للنصف من المحرم منها، ثم سكن النّهب وانقطعت الفتنة.
قال «6» : ولما تقلّد نازوك حجبة الخليفة أمر الرجّاله المصافية «7» بقلع خيامهم من دار الخليفة وأن لا يعبر الدار إلا من له وطر، وأمر رجاله وأصحابه أن يقيموا مقام المصافية، فعظم ذلك عليهم وتقدم إلى خلفاء الحجّاب أن لا يمكّنوا أحدا أن يدخل إلى دار الخليفة إلا من كانت له مرتبة، فاضطرب الحجرية من ذلك.
ذكر عود المقتدر بالله الى الخلافة وقتل نازوك وابن حمدان
/ قال «8» : ولما كان فى يوم الإثنين سابع عشر المحرم بكّر
النّاس إلى دار الخلافة لأنه يوم موكب ودولة جديدة، فامتلأت الممرات والرّحاب وشاطىء دجلة من الناس، وحضر الرجالة المصافية فى السلاح يطالبون بحقّ البيعة ورزق سنة وهم حنقون لما فعل بهم نازوك، ولم يحضر مؤنس المظفّر ذلك اليوم. وارتفعت الأصوات وزعقات الرّجال، فسمعها نازوك فأشفق أن يقع بينهم وبين أصحابه فتنة وقتال. فأمر أصحابه أن لا يتعرّضوا لهم ولا يقاتلوهم، فزاد شغب الرجالة وهجموا يريدون الصّحن التسعينى، فلم يمنعهم أصحاب نازوك. ودخل من كان على الشّطّ بالسّلاح، وقويت زعقاتهم من مجلس القاهر بالله وعنده الوزير ابن مقلة، ونازوك «1» وأبو الهيجاء ابن حمدان، فقال القاهر لنازوك: اخرج إليهم فسكّنهم وطيّب قلوبهم! فخرج إليهم نازوك وهو مخمور قد شرب طول ليلته، فلما رآه الرجالة تقدموا إليه ليشكوا إليه حالهم بسبب أرزاقهم فخافهم على نفسه وهرب منهم، فطمعوا فيه وتبعوه، فانتهى به الهرب إلى باب كان هو سدّه بالأمس فقتلوه عنده، وقتلوا خادمه عجيبا وصاحوا: مقتدر يا منصور! فهرب كلّ من كان فى الدّار من الوزير والحجّاب وسائر الطبقات وبقيت الدار فارغة. وصلبوا نازوك وعجيبا بحيث يراهما من على شاطىء دجلة، ثم صار الرجّالة إلى دار مؤنس يصيحون ويطالبونه بالمقتدر بالله. وبادر الخدم فأغلقوا أبواب دار الخليفة وكانوا جميعا خدم المقتدر ومماليكه وصنائعه.
وأراد ابن حمدان الخروج من الدار فتعلّق به القاهر وقال:
أنا فى ذمامك فقال: والله لا أسلّمك أبدا! وأخذ بيده وقال: قم بنا نخرج جميعا، وأدعو أصحابى وعشيرتى فيقاتلون دونك! فقاما ليخرجا فوجدا الأبواب مغلقة ومعهما فائق المعروف بوجه القصعة، فأشرف القاهر من سطح فرأى كثرة الجمع، فنزل هو وابن حمدان وفائق فقال ابن حمدان للقاهر: قف حتى أعود إليك! ونزع سواده وثيابه وأخذ جبّة صوف لغلام هناك فلبسها ومشى نحو باب النوبىّ «1» فرآه مغلقا والناس حوله. فعاد إلى القاهر وتأخر عنهما وجه القصعة، وأمر من معه من الخدم بقتلهما أخذا بثأر المقتدر وما صنعا به، فعاد إليهما عشرة من الخدم بالسّلاح «2» ، فعاد إليهم أبو الهيجاء وسيفه بيده فقاتلهم فقتلوه، وهرب القاهر إلى آخر البستان واختفى.
وأما الرجّالة فإنهم لما انتهوا إلى دار مؤنس وسمع زعقاتهم قال: ما الذى تريدون؟ قالوا: نريد المقتدر! فأمر/ بتسليمه إليهم فامتنع المقتدر من ذلك وخاف أن تكون حيلة، فحمل وأخرج إليهم فحملوه على أعناقهم حتى أدخلوه دار الخلافة. فلما حصل فى الصّحن التسعينى اطمأنّ وجلس وسأل عن أخيه القاهر وعن ابن حمدان فقيل إنهما حيّان فامّنهما بخطّه، وأمر خادما بالسّرعة بكتاب الأمان لئلا يحدث على أبى الهيجاء حادث، فمضى بالخط إليه فلقيه خادم
ومعه رأسه فرجع به إلى المقتدر، فلما رآه استرجع وقال: ما كان يدخل إلىّ ويسلينى ويطهّر لى الغمّ غيره! ثم أخذ القاهر وأحضر إلى المقتدر فأجلسه إلى جانبه وقبّل جبينه وقال: قد علمت أنّك لا ذنب لك وأنك قهرت ولو لقّبوك بالمقهور كان أولى بك من القاهر! والقاهر يبكى ويقول: يا أمير المؤمنين نفسى نفسى اذكرنّ الرّحم التى بينى وبينك! فحلف له أنه لا يناله بسوء أبدا «1» ، فسكن.
قال»
: ثم أخرج رأس نازوك ورأس أبى الهيجاء وشهرا، ونودى عليهما «هذا جزاء من عصى مولاه» وأما بنىّ بن يعيش فإنه كان من أشدّ القوم على المقتدر بالله، فهرب عن بغداد وغيّر زيّه وسار حتى بلغ الموصل ومنها إلى أرمينية، وسار حتى دخل القسطنطينة وتنصّر. وهرب أبو السرايا نصر بن حمدان أخو أبى الهيجاء إلى الموصل وسكنت الفتنة. وعاد الوزير ابن مقلة إلى/ وزارته، وكتب إلى البلاد بهذه الحادثة، وأطلق للجند أرزاقهم وزادهم وباع ما فى الخزائن من الأمتعة والجواهر، وأذن فى بيع الأملاك من الناس فبيع ذلك بأرخص الأثمان لتتم أعطيات الجند. وقيل إن مؤنسا المظفر لم يكن مؤثرا لما جرى على المقتدر من الخلع، وإنما وافق الجماعة مغلوبا على رأيه ولعلمه أنه إن خالفهم لم ينتفع به المقتدر فوافقهم ليأمنوه وسعى مع الغلمان المصافية والحجربة ووضع قوادهم على أن عملوا ما عملوا، فلهذا أمّنه المقتدر. وأما القاهر
فإن المقتدر حبسه عند والدته فأحسنت إليه وأكرمته ووسعت عليه النّفقة واشترت له السرارى والجوارى للخدمة وبالغت فى إكرامه نعود إلى بقية حوادث سنة ست عشرة [وثلاثمائة] فيها وصل الدمستق «1» فى جيش كبير «2» من الروم إلى أرمينية فحصروا خلاط «3» فصالحه أهلها، وأخرج المنبر من الجامع وجعل مكانه صليبا ورحل إلى بدليس «4» ففعل بها مثل ذلك وخافه أهل أرزن «5» الروم وغيرهم، ففارقوا بلادهم، وانحدر أعيانهم إلى بغداد فلم يغاثوا.
وفيها وصل سبعمائة رجل من الروم والأرمن إلى ملطية ومعهم الفؤوس والمعاول وأظهروا أنهم يتكسبون بالعمل، ثم ظهر أن مليحا الأرمنى صاحب الدروب/ وضعهم ليكونوا بها، فإذا حضر سلّموها إليه، فعلم بهم أهل ملطية فقتلوهم [عن آخرهم «6» وفى سنة سبع عشرة جاء أبو طاهر القرمطى إلى مكة يوم التروية «7» فنهب أموال الحجاج، وقتلوهم حتى فى المسجد الحرام وفى البيت، وقلع الحجر الأسود، وفعل ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخباره.