الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها قلّد ابراهيم بن حمدان ديار ربيعة، وحجّ بالناس فى هذه السنة أحمد بن العباس أخو أمّ موسى القهرمانة.
ودخلت سنة ثمان وثلاثمائة: فى هذه السنة خلع المقتدر بالله على أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان، وقلّده طريق خراسان والدينور، وخلع على إخوته أبى العلاء وأبى السرايا وفيها توفى ابراهيم بن حمدان فى المحرم، وحجّ بالناس فى هذه السنة أحمد بن العباس.
ودخلت سنة تسع وثلاثمائة:
ذكر قتل الحسين بن منصور الحلاج
وشىء من أخباره وفى هذه السنة قتل الحسين بن منصور الحلّاج الصوفى، وأحرق بالنار «1» /وكان ابتداء حاله أنه كان يظهر الزّهد والتصوّف، ويظهر الكرامات ويخرج للناس فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف. ويمدّ يده فى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم وعليها مكتوب «قل هو الله أحد» ويسميها دراهم القدرة. ويخبر الناس بما أكلوه وما صنعوه فى بيوتهم، ويتكلم بما فى ضمائرهم. فافتتن به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول، واختلفت فيه اعتقاداتهم؛ فمن قائل إنه حلّ فيه جزء إلهى ويدّعى فيه الربوبية، ومن قائل إنه ولىّ الله تعالى وإنّ الذى
يظهر منه من جملة كرامات الصلحاء، ومن قائل إنه مشعبذ وممخرق وساحر كذاب ومتكهّن وإن الجنّ تطيعه فتأتيه بالفاكهة فى غير أوانها.
وكان قدم من خراسان إلى العراق وسار إلى مكة وأقام بها سنة فى الحجر لا يستظل تحت سقف صيفا ولا شتاء، وكان يصوم الدّهر فإذا جاء وقت العشاء أحضر له القوم كوزا من ماء وقرصا فيشرب وبعض من القرص ثلاث عضات من جوانبها فيأكلها ويترك الباقى فيأخذونه، ولا يأكل شيئا آخر إلى وقت الفطر من الليلة الثانية. وكان شيخ الصوفية يومئذ بمكة عبد الله المغربى فأخذ أصحابه وجاء لزيارة الحلّاج فلم بجده فى الحجر، وقيل قد صعد إلى جبل أبى قبيس، فصعد إليه فوجده على صخرة حافيا/ مكشوف الرأس، والعرق يجرى منه إلى الأرض، فأخذ أصحابه وعاد ولم يكلّمه وقال: هذا يتصيّر على قضاء الله وسوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقدرته! وعاد الحسين إلى بغداد.
وأما سبب قتله فإنه نقل عنه عند عوده إلى بغداد إلى الوزير حامد بن العباس أنه أحيا جماعة وأنه يحيى الموتى وأن الجنّ يخدمونه فيحضرون عنده بما يشتهى. وإنّه قدّموه على جماعة من حاشية الخليفة، وإنّ نصرا الحاجب قد مال إليه هو وغيره. فالتمس حامد من المقتدر أن يسلّم إليه الحلاج وأصحابه فدفع عنه نصر الحاجب وألح الوزير فى طلبه، فأمر المقتدر بتسليمه إليه، فأخذ وأخذ معه
إنسان يعرف بالشميرى وغيره- قيل إنهم كانوا يعتقدون أنه إله- فقرّرهم حامد فاعترفوا أنهم قد صحّ عندهم أنه إله وأنه يحيى الموتى، وقابلوا الحلّاج على ذلك. فأنكره وقال: أعوذ بالله أن أدّعى الربوبية والنّبوّة وإنما أنا رجل أعبد الله عز وجل! فأحضر الوزير القاضى أبا عمر والقاضى أبا جعفر بن البهلول وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم فقالوا: لا نفسى فى أمره بشىء إلا أن يصحّ عندنا ما يوجب قتله، ولا يجوز قبول قول من يدّعى عليه ما ادّعاه إلا ببيّنة أو إقرار! وكان حامد يخرج الحلّاج إلى مجلسه ويستنطقه فلا يظهر منه/ ما تكرهه الشريعة، وطال الأمر وحامد مجد له فى أمره، وجرى له معه قصص يطول شرحها. وفى آخرها أن الوزير رأى له كتابا حكى فيه أنّ الإنسان إذا أراد الحج ولم يمكنه أفرد من داره بيتا لا يلحقه شىء من النجاسات ولا يدخله أحد، فإذا حضرت أيام الحج طاف حوله وفعل ما يفعله الحاج بمكة، ثم يجمع ثلاثين يتيما ويعمل أجود طعام يمكنه ويطعمهم فى ذلك البيت ويتولّى خدمتهم بنفسه، فإذا فرغوا كساهم وأعطى كلّ واحد منهم سبعة دراهم، فإذا فعل ذلك كان كمن حج فلما قرىء هذا على الوزير قال القاضى أبو عمر للحلاج: من أين لك هذا؟ قال من كتاب الإخلاص للحسن البصرى. قال له القاضى:
كذبت يا حلال الدم قد سمعناه بمكة وليس فيه هذا. فلما قال له «يا حلال الدم» وسمعها الوزير قال: له: اكتب بهذا رقعة،
فدافعه أبو عمر فألزمه حامد فكتب بإباحة دمه وكتب بعده من حضر المجلس. قال: «1» ولما سمع الحلّاج ذلك قال: ما يحلّ لكم دمى وإعتقادى الإسلام ومذهبى السنة ولى فيها كتب موجودة فالله الله فى دمى! وتفرق الناس، وكتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه فى قتله وأرسل إليه الفتاوى فأذن فى قتله فسلّمه الوزير إلى صاحب الشّرطة فضربه ألف سوط فما تأوّه ثم قطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم قتل/ وأحرق فى النار، فلما صار رمادا ألقى فى دجلة ونصب رأسه ببغداد وأرسل إلى خراسان لأنه كان له بها أصحاب، وأقبل بعض أصحابه يقولون: إنه لم يقتل وإنما ألقى شبهه على دابّة وإنه يعود بعد أربعين يوما! وبعضهم يقول: لقيته على حمار بطريق النهروان وإنه قال لهم «لا تكونوا مثل هؤلاء النّفر الذين يظنون أنى ضربت وقتلت» ! وفيها استعمل المقتدر على حرب الموصل ومعونتها محمد بن نصر الحاجب، فسار إليها وأوقع بمن خالفه من الأكراد فقتل وأسر، وأرسل إلى بغداد نيّفا وثمانين أسيرا فشهروا، وفيها قلّد داود بن حمدان ديار ربيعة.
ودخلت سنة عشر وثلاثمائة: فى هذه السنة أطلق يوسف بن أبى السّاج من الحبس بشفاعة مؤنس الخادم، ودخل إلى المقتدر وخلع عليه، ثم عقد له على الرّىّ وقزوين وزنجان وأبهر. وقرّر
عليه خمسمائة ألف دينار محمولة إلى بيت المال فى كلّ سنة سوى أرزاق العساكر الذين بهذه البلاد.
وفيها وصلت هدية أبى زنبور الحسين الماذرائى «1» من مصر، وفيها بغلة معها فلو «2» يتبعها ويرضع منها وغلام طويل اللسان يلحق لسانه أرنبة أنفه! وفيها قبض المقتدر على أمّ موسى القهرمانة وكان سبب ذلك أنها/ زوّجت ابنة أخيها من أبى العباس أحمد بن محمد بن إسحاق بن المتوكل على الله وكان يرشّح للخلافة، فلما صاهرته أكثرت من النّثار والدعوات وخسرت أموالا جليلة،: فتكلم أعداؤها وسعوا بها إلى المقتدر وقالوا:
إنها قد سعت لأبى العباس فى الخلافة، وحلفت له القوّاد، وكثر القول فيها، فقبض عليها وأخذ منها أموالا جليلة وجواهر نفيسة «3» ، قال ابن الجوزى: صحّ منها لبيت المال ألف ألف دينار «4» ودخلت سنة إحدى عشرة وثلاثمائة: