الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عبد الله بن حمدان يأمرهم بمحاربته وصدّه عن الموصل، فاجتمع بنو حمدان على محاربته إلا داود فإنه امتنع لإحسان مؤنس إليه؛ فإنه قد كان ربّاه فى حجره بعد أبيه فما زال به إخوته حتى وافقهم، ولما أجابهم قال لهم: إنكم لتحملونى على البغى وكفران النّعمة والإحسان وما آمن أن يجيئنى سهم عاثر فيقع فى نحرى فيقتلنى! فلما التقوا أتاه سهم كما وصف فقتله، ولما قرب مؤنس من الموصل كان فى ثمانمائة فارس. واجتمع بنو حمدان فى ثلاثين ألفا فالتقوا واقتتلوا فانهزم بنو حمدن/ ودخل مؤنس الموصل واستولى على أموال بنى حمدان وديارهم، فخرج إليه كثير من العساكر من بغداد والشام ومصر، وعاد إليه ناصر الدولة بن حمدان فصار معه وكان دخول مؤنس إلى الموصل فى ثالث صفر، وأقام بها سبعة أشهر، وعزم على الانحدار إلى بغداد.
ذكر مقتل المقتدر بالله
قال «1» : ولما اجتمعت العساكر إلى مؤنس بالموصل قالوا له:
اذهب بنا إلى الخليفة فإن أنصفنا وأجرى أرزاقنا وإلا قاتلناه فانحدر مؤنس من الموصل فى شوّال، وبلغ خبره جند بغداد فشغبوا وطلبوا أرزاقهم، ففرّق المقتدر فيهم أموالا كثيرة إلا أنها لم تسعهم وأنفذ المقتدر أبا العلاء سعيد بن حمدان وصافيا البصرى فى خيل عظيمة إلى سامراء. وأنفذ أبا بكر محمد
ابن ياقوت فى ألفى فارس ومعه الغلمان الحجرية إلى المعشوق.
فلما وصل مؤنس إلى تكريت جعل العسكر الذين مع ابن ياقوت يتسللون ويهربون إلى بغداد، ونزل مؤنس بباب الشمّاسية فلما رأى ذلك رجع ابن ياقوت إلى عكبرا، وسار مؤنس فتأخر ابن ياقوت وغيره وعادوا إلى بعداد. ونزل مؤنس بباب الشماسيّة، ونزل ابن ياقوت وغيره مقابلهم واجتهد المقتدر بخاله «1» هارون بن غريب/ ليخرج فلم يفعل وقال: أخاف من عسكرى فإنّ بعضهم أصحاب مؤنس وبعضهم قد انهزم أمس من مرداويج فأخاف أن يسلمونى وينهزموا عنى! فلم يزل به حتى أخرجه، وأشار النّاس على المقتدر بإخراج المال منه ومن أمّه ليرضى الجند وقالوا: إنه متى سمع أصحاب مؤنس بتفريق الأموال تفرقوا عنه، فاضطر إلى الهرب فقال: لم يبق لى ولا لوالدتى شىء! وأراد المقتدر أن ينحدر إلى واسط ويكاتب العساكر من البصرة والأهواز وفارس وكرمان وغيرها ويترك بغداد لمؤنس إلى أن يجتمع إليه العساكر ويعود إلى قتاله، فردّد ابن ياقوت عن ذلك، وزيّن له اللقاء وقوّى نفسه أنّ القوم متى رأوه عادوا بأجمعهم إليه فرجع إلى قوله وهو كاره، ثم أشار عليه بحضور الحرب فخرج وهو كاره وبين يديه الفقهاء ومعهم المصاحف منشورة وعليه البردة «2»
والناس حوله، فوقف على تلّ عال بعيد من المعركة فأرسل إليه قواده يسألونه التّقدّم مرة بعد أخرى، فلما ألحّوا عليه تقدّم من موضعه فانهزم أصحابه قبل وصوله إليهم. وكان قد أمر فنودى.
«من جاء بأسير فله عشرة دنانير ومن جاء برأس فله خمسة» .
فلما انهزم أصحابه لقيه علىّ بن يلبق- وهو من أصحاب مؤنس- فترجّل وقبل الأرض وقال له: أين تمضى؟ ارجع، فلعن الله من أشار عليك/ بالحضور! فأراد الرّجوع، فلحقه قوم من المغاربة والبربر، فتركه علىّ وسار، فشهروا سيوفهم فقال: ويحكم أنا الخليفة! فقالوا:
قد عرفناك يا سفلة، أنت خليفة إبليس، تبذل فى كلّ رأس خمسة دنانير وفى كلّ أسير عشرة دنانير. وضربه أحدهم بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض، وذبحه بعضهم- وقيل إنّ علىّ بن يلبق رمز إلى بعضهم فقتله- وذلك فى يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوّال سنة عشرين وثلاثمائة.
قال «1» : ولما قتل رفعوا رأسه على خشبة وهم يكبّرون ويلعنونه، وأخذوا جميع ما عليه حتى سراويله، وتركوه مكشوف العورة إلى أن مرّ به رجل أكّار فستره بحشيش، ثم حفر له فى موضعه ودفن، وعفا قبره. هذا ومؤنس فى الراشدية لم يشهد الحرب، فلما حمل رأس المقتدر إليه بكى ولطم وجهه ورأسه وقال: يا مفسدون ما هكذا أوصيتكم، والله لنقتلنّ كلّنا، وأقلّ ما فى الأمر أن تظهروا أنكم قتلتموه خطأ ولم تعرفوه!
وتقدم مؤنس إلى الشمّاسية، وأنفذ إلى دار الخلافة من يمنعها من النّهب. ومضى عبد الواحد بن المقتدر وهارون بن غريب ومحمد ابن ياقوت وابنا رائق إلى المدائن. وكان ما فعله مؤنس سببا لجرأة أصحاب الأطراف على الخلفاء وطمعهم واستبدادهم، وانحرفت حرمة الخلافة لقتل المقتدر، وضعف أمرها حتى انتهى إلى ما نذكره إن شاء الله تعالى «1» .
قال «2» : وقتل وعمره ثمان وثلاثون سنة وخمسة أيام، وكان مدّة خلافته أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وستة عشر يوما، وكان ربع «3» القامة درّىّ اللون أحور أصهب، وكان نقش خاتمة «الحمد لله الذى ليس كمثله شىء وهو السميع خالق كل شىء» ويقال إن المقتدر بذّر من الأموال تضييعا فى غير وجهها نيّفا وتسعين ألف ألف دينار «4» سوى ما أنفقه فى الوجوه، وكان يصرف إلى الحرمين وفى طريقهما فى كلّ سنة ثلاثمائة ألف وخمسة عشر ألف دينار وأربعمائة وستة وعشرين دينارا، وإلى الثغور أربعمائة الف وواحدا وتسعين ألفا وأربعمائة وستة وخمسين دينارا وكان يجرى على القضاة فى كلّ الممالك ستة وخمسين ألفا
وخمسمائة وواحدا وأربعين دينارا. وعلى الفقهاء بالحضرة ثلاثة عشر ألفا وخمسمائة وتسعة وستين دينارا، وعلى من يتولّى الحسبة والمظالم فى جميع البلاد أربعة وثلاثين ألفا وأربعمائة وتسعة وثلاثين دينارا، وعلى أصحاب البريد تسعة وسبعين ألفا وأربعمائة دينار، وغير ذلك من الجرايات على أصناف الناس وطبقاتهم. وعجز ارتفاع ممالكه عن نفقاته ألفى ألف وتسعة وثمانين ألفا وثمانمائة وأربعة وسبعين دينارا، ولم ينقض أحدا شيئا فأنفق ما كان فى بيوت الأموال قبله «1» .
قال «2» : ومات فى أيامه خمسة عشر ألف أمير ومقدّم مذكور فكانت والدته تطوى عنه الرزايا والفجائع وتقول: إظهارها يؤلم قلبه! فأدّى ذلك إلى انتشار الفساد فى ممالكه» .
وكان الناس قد ملّوا أيّامه لطولها، حتى إذا تصرّمت تمنّوا ساعة منها، فأعوزتهم، وشملتهم الحوادث والطوارق. وكان له من الأولاد الرّاضى والمتقى والمطيع وعبد الواحد وعباس وهارون وعلىّ وإسماعيل وعيسى وموسى وأبو العباس «4» .
ووزر له من ذكرنا وهم: العباس بن الحسن «1» ، وأبو الحسن بن الفرات ثلاث دفعات وقد ذكرنا أخباره، ومحمد بن عبد الله بن خاقان. وعلى بن عيسى دفعتين، وكان موصوفا بالعلم والدين والعقل، وساس الدنيا السياسة التى عمّرت البلاد، وكان يستغل ضياعه فى السنة سبعمائة ألف دينار يخرج منها فى وجوه البرّ ستمائة ألف دينار وينفق أربعين ألف دينار على خاصته، وكان يصوم نهاره ويقوم ليله، ولما حبس كان يلبس ثيابه ويتوضأ ويقوم ليخرج إلى صلاة الجمعة فيرده الموكلون به فيقول: اللهمّ اشهد! وكانت له آثار حسنة ومآثر جميلة منها أنه أشار على المقتدر/ أن يوقف المستغلّات ببغداد على الحرس والثغور- وغلّتها فى كلّ شهر ثلاثة عشر ألف دينار- والضياع الموروثة بالسّواد وارتفاعها نيّف وثمانون ألف دينار سوى الغلة، ففعل ذلك وأفرد لهذا الوقف ديوانا سمّاه ديوان البرّ، وكان يجرى على خمسة وأربعين ألف إنسان جرايات تكفيهم، وخدم السلطان سبعين سنة لم يزل فيها نعمة أحد ولم يقتل أحدا، ولم يسع فى ذمّه ولم يهتك حرمة أحد، ومات فى آخر ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة «2» وله تسع وثمانون سنة وستة أشهر ويوم واحد، رحمه الله!
ووزر له حامد بن العباس، وأبو القاسم الخاقانى، وأحمد بن عبد الله الخصيبى، وأبو على بن مقلة، وسليمان بن الحسين بن مخلد، وعبد الله الكلوذانىّ، والحسين بن القاسم بن عبيد الله، والفضل ابن جعفر بن الفرات.
قضاته: يوسف بن يعقوب ثم ابنه محمد «1» بن يوسف، ثم أبو عمر، ثم عبد الله بن أبى الشوارب، ثم ابنه محمد، ثم أحمد بن إسحاق بن البهلول، ثم عمر بن محمد بن يوسف، والحسن بن عبد الله، وعمر بن الحسن بن أبى الشوارب.
حجّابه: سوسن مولى المكتفى؛ ونصر القشورىّ، وياقوت مولى المعتضد، وغيرهم.
الأمراء بمصر: عيسى النّوشرى، ثم تكين الخزرى «2» ، ثم وصل مؤنس/ إلى مصر فصرف تكين وولّاها ذكاء الأعور ثم مات فأعيد تكين، ثم هلال بن بدر، ثم أحمد بن كيغلغ «3» ، ثم تكين مرة ثالثة.
القضاة بها: أبو عبيد الله بن على بن الحسين البزّاز «4» إلى أن ورد كتاب ابن الفرات بصرفه وردّ القضاء إلى عبد الله بن