الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له ما أراد من ولاية العهد ودعى له على المنابر، أخذ فى التخليط وارتكاب المحرّمات. ثم عزم على الغزاة، وتقدّم اليه هشام أن يتعمّم هو وسائر الجند ففعل، وخرجوا فى العمائم «1» - وكانوا بها فى أقبح زىّ لمخالفة العادة- وذلك فى يوم الجمعة لاثنتى عشرة خلت من جمادى الأولى.
وسار للغزاة وهى المعروفة بغزوة الطين، وقيل إنه انتهى إلى طليطلة، فأتاه الخبر بقيام محمد بن هشام بن عبد الجبار وخلعه للمؤيد، وأنه أخرب الزاهرة، فخلف الناس لنفسه، ثم تفرقوا عنه، والتحقوا بمحمد بن هشام وكان من أمره وأمر المؤيد ما نذكره فى أيام محمد بن هشام بن عبد الجبار!
ذكر امارة محمد المهدى
هو أبو الوليد محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر، وهو الحادى عشر من ملوك بنى أمية بالأندلس استولى/ على الأمر فى جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، ونحن نذكر سبب ذلك وكيف كان خروجه وكيف استولى على الأمر، لأنّ فى ذلك من الغرائب والحوادث ما يتعين إيراده بسببه ويفيد تجرّبه، ويعتبر به من يتأمله، ويعلم أنّ المقادير تجرى على غير قياس، وإذا أراد الله أمرا هيّأ أسبابه.
وكان ابتداء هذا الأمر أنّ هشام بن عبد الجبار والد محمد المهدى
هذا قد ترشّح لطلب هذا الأمر لنفسه، وعزم على خلع هشام المؤيد، فبلغ ذلك المظفر عبد الملك فقتل هشام بن عبد الجبار قبل أن يستحكم أمره فى سنة تسع وتسعين. وكان محمد بن هشام جسورا مقداما شجاعا، ولم يتهيأ له أمر لهيبة عبد الملك واجتماع جنده، فلم يزل محمد يترصّد الأمر حتى مات عبد الملك وولى عبد الرحمن. وتطاول لولاية العهد ونالها، وخرج للغزاة- على ما قدّمنا- فخلا البلد من الجند. وقوّى عزم محمد رجلان وهما حسن بن حىّ الفقيه ومطرف بن ثعلبة. وكان محمد يعاشر فى مدة استتاره قوما من الصعاليك لهم إقدام على كل عظيمة، فدسّ بعضهم إلى بعض وأعطاهم من خمسة مثاقيل إلى عشرة وأكثر من ذلك، فاجتمع له منهم نحو أربعمائة رجل./ وطاوعه على ذلك جماعة من المروانيين لخروج الأمر عنهم وصرفه إلى أبى عامر.
وكان عبد الرحمن قد رتّب أمور البلد قبل مسيره، وجعل النظر فى الأموال وتدبير البلد إلى أحمد بن حزم وعبد الله بن سلمة المعروف ابن الشرس، وجعل على المدينة عبد الله بن عمرو المعروف بابن عسفلاجة وهو أحد بنى أبى عامر. وظن شنشول أن الأمور لا تتغير وأن دولتهم قد استحكم أمرها، هذا ومحمد فى تقرير حاله، فشنع الناس أنّ قائما يقوم على بنى الأغلب، فبلغ ابن عسفلاجة الخبر فأظهر البحث وبالغ فى الكشف فلم يتبيّن له شىء وهجم دورا كثيرة فلم يقف على أمر واضح.
فلما كان فى يوم الثلاثاء النصف من جمادى الآخرة مات ابن عبد الجبار بقرطبة، وتقدم إلى ثلاثين رجلا من كفاة أصحابه
أن يشتملوا على سيوفهم ويدخلوا من باب القنطرة متفرقين حتى يقفوا على السترة التى تشرف على الرصيف والوادى، كما يفعل من يريد التفرّج بذلك المكان. وأمرهم أن لا يحدثوا حدثا حتى يأمرهم وأنذر سفهاءه وواعدهم ساعة قبل زوال الشمس، ففعل أولئك النّفر ما أمرهم به، وكان من سواهم على انتظار الوقت الذى حدّده لهم. وركب محمد بغلته وعبر القنطرة وحده حتى انتهى إلى باب الشكال ومعه نفر من أصحابه كانوا قياما على باب القنطرة/ فاقتحموا باب الشكال فأنكرهم حرس الباب وأرادوا منعهم، فبادر محمد ودخل. وسلّ أولئك النّفر سيوفهم وقصدوه، فقصدهم صاحب المدينة ابن عسفلاجة، فيقال إنه كان يشرب مع حارسين له، فأتاه محمد وهو على أهبة فقتله واحتزّوا رأسه. وتتابع أصحاب محمد من جهاتهم إليه.
واتصل الخبر بأهل الزاهرة عند العصر وقد عظم جمع محمد من أصحابه ومن اجتمع إليه من العوام وأهل البادية، فنقب القصر من ناحية باب السباع ومن ناحية باب الجنان، ولم يقدر حرس القصر على مقاومته.. ووصل إلى القصر من جهة باب السدة وأهل الزاهرة غير مصدقين بالأمر، وظنوا أنه أمر يدفعه صاحب المدينة إلى أن قوى عندهم الخبر بدخول محمد القصر، فكان حسبهم اعتصامهم بالزاهرة فى ليلتهم.
فلما صار محمد داخل القصر أرسل إليه المؤيد هشام يقول له:
تؤمننى على نفسى وأنخلع لك من الأمر! فقال «سبحان الله
أترانى إنما قمت فى هذا الأمر لأقتل أهل بيتى، وإنما قمت غضبا له ولنفسى وبنى عمى، فإن خلع نفسه طائعا قبلت ذلك، وليس له عندى إلا ما يحبّ.
وأرسل محمد إلى الفقهاء ووجوه الناس فأحضرهم، وكتب كتاب الخلع والبيعة لمحمد، وبات تلك الليلة فى القصر وأهل بالس وهى الزهراء لم يتحرك/ منهم أحد، وكانوا جمعا كبيرا منهم أبو عمرو بن حزم وعبد الله بن سلمة وابن أبى عبيدة وابن جهور، وجماعة من الفقهاء والوزراء والصقالبة- وهم الخصيان- ونفر من الجند والخزان والكتاب.
وأصبح محمد فجعل حجابتة إلى ابن عمه محمد بن المعيرة، وجعل على المدينة ابن عمّه أمّيّة بن إسحاق. وأمرهما بإثبات كل من جاءهما فى الديوان، فلم يبق أحد حتى أثبت نفسه حتى الزهاد والعباد وأئمة المساجد وغيرهم وقبضوا العطاء، وكذلك التجار الأغنياء. واتّبعه سائر أهل البوادى والأطراف، وأرسل حاجبه محمد بن المغيرة فى خلق من العامة لمحاربة أهل بالس فردّوه أقبح ردّ وهزموه إلى داخل قرطبة. ثم كثر العامة فهزموهم إلى بالس، ودخلها الحاجب ونهبت، فسأل الوزراء والصقالبة الأمان فأمّنهم محمد، فساروا إليه فوبخهم ثم عفا عنهم ورد ابن الشرس مع الحاجب لنقل ما ببالس من الأموال والأمتعه والأثاث وقد نهب منه ما لا يحصى، ونهبت ليلة الأربعاء دور كثيرة للعامرية، ونهب ما جاوز بالس من دور الوزراء، وانتهب ما فى الزاهرة حتى قلعت الأبواب والأخشاب، والحاجب مع ذلك ينقل.