الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأمان، فلما أدركه الصوم انصرف على أن يعود بعد العيد، وخلف جيشه بقيسارية وراسله أهل بغراس «1» وبذلوا له مائة ألف درهم فأقرهم وترك معارضتهم.
وفيها استولى الدمستق على مدينة حلب وعاد عنها، على ما نذكره فى أخبار ابن حمدان.
ذكر استيلاء الروم على المصيصة وطرسوس
كان استيلاؤهم عليهما فى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وذلك أن الدمستق حصر المصيصة فى سنة ثلاث وخمسين «2» وقاتل أهلها ونقب أسوارها واشتد القتال وأحرق الروم رستاقها/ ورستاق «3» أذنه وطرسوس لمساعدتهم أهلها، وقتل من المسلمين خمسة عشر ألف رجل.
ثم ضاقت الميرة على الروم فرحل الدمستق إلى بلاد الروم، وأرسل إلى أهل المصيصة وأذنه وطرسوس «أنى منصرف عنكم لا لعجز ولكن لضيق العلوفة وشدة الغلاء، وأنا عائد إليكم، فمن انتقل منكم فقد نجا ومن وجدته بعد عودى قتلته «4» .
ونزل ملك الروم أيضا على طرسوس وحصرها وجرى بينه وبين أهلها حروب كثيرة سقط فى بعضها الدمستق ابن الشمشقيق «1» إلى الأرض وكاد يؤسر فقاتل عليه الروم وخلصوه. وأسر أهل طرسوس بطريقا كبيرا من بطارقة الروم، ورحل الروم عنهم لاشتداد الغلاء والعناء.
وكان نقفور «2» ملك الروم قد بنى بقيسارية «3» مدينة وأقام بها بأهله ليقرب من بلاد الإسلام، فلما كان فى سنة أربع وخمسين أرسل أهل طرسوس والمصيصة إليه يبذلون الطاعة ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه ليقيم عندهم، فعزم على إجابتهم إلى ذلك فأتاه الخبر أنهم قد ضعفوا وعجزوا وأنهم لا ناصر لهم وأن الغلاء قد اشتد عندهم وعدموا القوت وأكلوا الكلاب والميتة وكثر فيهم الوباء فيموت منهم فى اليوم ثلاثمائة نفس، فرجع نقفور عن إجابتهم وأحضر الرسول وأحرق الكتاب على/ رأسه فاحترقت لحيته وقال لهم: أنتم كالحية فى الشتاء تخدر وتذبل حتى تكاد تموت، فإن أخذها إنسان وأحسن إليها وأدفأها انتعشت ونهشته، وأنتم إنما أطعتم لضعفكم، وإن تركتم حتى تستقيم أحوالكم تأذّيت بكم!
وأعاد الرسول وجمع جيوش الروم وسار إلى المصيصة بنفسه، فحاصرها وفتحها عنوة يوم السبت ثالث عشر شهر رجب سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، ووضع السيف فى أهلها فقتل منهم مقتلة عظيمة. ثم أمر برفع السيف عنهم، ونقل كل من بقى منهم إلى بلد الروم، وكانوا نحو سائتى ألف إنسان. ثم سار إلى طرسوس فحاصرها فأذعن أهلها بالطاعة وطلبوا الأمان فأمّنهم، وفتحوا له البلد فلقيهم بالجميل وأمرهم أن يحملوا من سلاحهم وأموالهم ما يطيقون حمله ففعلوا ذلك برّا وبحرا، وسير معهم من يحميهم حتى بلغوا أنطاكية.
وجعل الملك المسجد الجامع إسطبلا لدوابه، وأحرق المنبر، وعمّر طرسوس وحصّنها، وجلب إليها الميرة حتى رخصت الأسعار ورجع إليها كثير من أهلها ودخلوا فى طاعة الملك وتنصّر بعضهم، وأراد المقام بها ليقرب من بلاد الإسلام ثم عاد إلى القسطنطينية.
وأراد الدمستق وهو ابن الشمشقيق أن يقصد ميافارقين وبها سيف الدولة بن/ حمدان فأمره الملك باتباعه إلى القسطنطينية فمضى إليه.
ثم فتح نقفور أذنه.
وفى سنة أربع وخمسين أيضا قتل المتنبى الشاعر واسمه أحمد بن الحسين الجعفىّ «1» بالقرب من النعمانية وقتل معه ابنه، وكان قد عاد من عند عضد الدولة بفارس فقتله الأعراب وأخذوا ما معه.