الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فلما وصل الرسولان إلى الخليفة، وقفا على نحو مائة ذراع وابن الفرات قائم بين يديه والتّرجمان قائم يخاطب الخليفة.
ثم أخرجا وطيف بهما فى الدار حتى أخرجا إلى دجلة وقد أقيمت على الشطوط الفيلة والسباع والفهود! قال: ثم خلع عليهما وحمل إليهما خمسون بدرة ورقا فى كلّ بدرة خمسة آلاف درهم.
قال: وفيها ورد كتاب من مرو أنّ نفرا عثروا على نقب فى سور المدينة فكشفوا عنه فوصلوا إلى أزج فأصابوا فيه ألف رأس، وفى أذن كلّ رأس رقعة قد أثبت فيها اسم صاحبها «1» /وفيها أطلق أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته وأهل بيته من الحبس، وحج بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الملك.
ودخلت سنة ست وثلاثمائة:
ذكر عزل ابن الفرات عن الوزارة
ووزارة حامد بن العباس فى هذه السنة فى جمادى الآخرة قبض على الوزير أبى الحسن ابن الفرات، وكانت مدة وزارته هذه- وهى الثانية- سنة وخمسة أشهر وسبعة عشر يوما وكان سبب ذلك أنّه أخّر إطلاق أرزاق الفرسان، واحتجّ عليهم بضيق الأموال وأنها خرجت فى محاربة ابن أبى السّاج وأنّ الارتفاع نقص
بأخذ يوسف أموال الرىّ؛ فشغب الجند شغبا عظيما وخرجوا إلى المصلّى فالتمس الوزير من المقتدر إطلاق مائتى ألف دينار من بيت مال الخاصّة ليضيف إليها مائتى ألف دينار يحصّلها ويصرف الجميع فى أرزاق الجند، فاشتد ذلك على المقتدر وأرسل إليه:
إنك ضمنت أن ترضى جميع الأجناد وتقوم بجميع النفقات وتحمل بعد ذلك ما ضمنت حمله يوما بيوم وأراك الآن تطلب من بيت مال الخاصة! فاحتج بقلة/ الارتفاع وما أخذه! ابن أبى السّاج منه وما خرج على محاربته، فلم يسمع المقتدر حجّته وتنكّر له. وقيل كان سبب قبضه أن المقتدر قيل له إنّ ابن الفرات يريد إرسال الحسين بن حمدان لمحاربة ابن أبى الساج فإذا صار عنده اتفقا عليك. ثم إن ابن الفرات قال للمقتدر أن يرسل ابن حمدان لحربه فقتل ابن حمدان فى جمادى الأولى، وقبض ابن الفرات فى جمادى الآخرة.
قال: «1» وكان بعض العمال قد ذكر لابن الفرات ما يتحصّل لحامد بن العبّاس من أعمال واسط زيادة على ضمانه فاستكثره، وكاتبه فى ذلك، فخاف حامد أن يؤخذ ويطالب بالمال، فكتب «2» إلى نصر الحاجب وإلى والدة المقتدر وضمن لهما مالا ليتحدّثا له فى الوزارة. فذكر للمقتدر حاله وسعة نفسه وكثرة أتباعه وأنّ له
أربعمائة مملوك يحملون السّلاح، ووافق ذلك نفرة المقتدر عن ابن الفرات فأمره بالحضور من واسط، فحضر وقبض على ابن الفرات وولده المحسن وأصحابهما وأتباعهما.
ولما وصل حامد إلى بغداد أقام ثلاثة أيام فى دار الخلافة، فكان يتحدّث مع النّاس ويضاحكهم ويقوم لهم، فبان للخدم وحاشية الدّار قلة معرفته بالوزارة، وقال له حاجبه/ يا مولانا.. الوزير يحتاج إلى لبسة وجلسة وعبسة! فقال له: تعنى أنه يلبس ويقوم ويقعد ولا يقوم لأحد ولا يضحك فى وجه أحد؟ قال نعم! قال حامد: إنّ الله تعالى أعطانى وجها طلقا وخلقا حسنا وما كنت بالذى أعبس وجهى وأقبّح خلقى لأجل الوزارة «1» ! فأمر المقتدر بإطلاق علىّ بن عيسى من محبسه، وجعله يتولى الدواوين شبه النائب عن حامد «2» فكان يراجعه فى الأمور ويصدر عن رأيه.
ثم إنه استبد بالأمور دون حامد، ولم يبق لحامد غير اسم الوزارة ومعناها لعلى حتى قيل فيهما:
أعجب من كلّ ما تراه
…
أنّ وزيرين فى بلاد
هذا سواد بلا وزير
…
وذا وزير بلا سواد «3»
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزى «1» : وفى هذه السنة أمرت السيدة أم المقتدر. قهرمانة لها تعرف بثمل أن تجلس بالتّربة التى بنتها بالرّصافة للمظالم وتنظر فى رقاع الناس فى كل جمعة «2» ، فجلست وأحضرت القاضى أبا الحسين الإسنانى «3» وخرجت التوقيعات على السداد- قال- وقال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد الحافظ: قعدت ثمل القهرمانة فى أيام المقتدر بالله للمظالم، وحضر مجلسها القضاة والفقهاء.
/ وفيها غزا يسر الأفشينى بلاد الرّوم فافتتح عدّة حصون وغنم وسلم، وغزا ثمال «4» فى بحر الروم فغنم وسبى وعاد. وفيها أمر المقتدر ببناء بيمارستان فبنى وأجرى عليه النفقات الكثيرة، وكان يسمّى المقتدرىّ، وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمى «5» .
ودخلت سنة سبع وثلاثمائة:
فى هذه السنة وصل القائم بن المهدى من أفريقية من قبل أبيه بجيش كثيف فكان وصوله إلى الإسكندرية فى شهر ربيع
الآخر «1» ، فخرج عنها عامل المقتدر «2» ودخل القائم، ثم رحل إلى مصر فدخل الجيزة وملك الأشمونين وأكثر الصعيد.
وكتب إلى أهل مكة يدعوهم إلى الدّخول فى طاعته فلم يجيبوه، فبعث المقتدر بالله مؤنسا الخادم فى شعبان وجدّ فى السير فوصل إلى مصر وكان بينه وبين القائم عدة وقعات.
ووصل من أفريقية ثمانون مركبا نجدة للقائم، فأمر المقتدر بالله أن تسير مراكب طرسوس إليهم، فسارت خمسة وعشرون مركبا وفيها النّفط والعدد ومقدّمها أبو اليمن، فالتفت المراكب بالمراكب واقتتلوا على رشيد، فظفر أصحاب مراكب المقتدر بالله وأحرقوا كثيرا من مراكب أفريقية وأسر منهم كثير. وكان ممن أسر سليمان الخادم ويعقوب الكتامى وهما مقدما المراكب/ فمات سليمان فى الحبس بمصر، وحمل يعقوب إلى بغداد ثم هرب منها وعاد إلى أفريقية.
وفيها ضمن حامد بن العباس الوزير أعمال الخراج والضّياع الخاصّة والعامّة والمستحدثة والفراتة بسواد بغداد والكوفة والبصرة وواسط والأهواز وأصبهان. وسبب ذلك أنه رأى أنه قد تعطّل عن الأمر والنّهى وتفرّد به علىّ بن عيسى، فشرع فى هذا ليصير له حديث وأمر ونهى، ثم استأذن المقتدر فى الانحدار إلى واسط ليدبّر أمر ضمانه الأوّل فأذن له فانحدر إليها، واسم
الوزارة عليه، وعلىّ يدبر الأمور! وأظهر حامد زيادة عظيمة ظاهرة فى الأموال، فسرّ المقتدر بذلك وبسط يد حامد فى الأعمال حتى خافه علىّ بن عيسى.
ثم تحرّك السّعر «1» ببغداد فثارت العامّة والخاصّة، لذلك، واستغاثوا وكسروا المنابر، وكان حامد يخزن الغلال، وكذلك غيره من القواد، فأمر المقتدر بإحضار حامد فحضر من الأهواز، فعاد النّاس إلى شغبهم. فأنفذ حامد جماعة لمنعهم، فقاتلهم العامّة، وأحرقوا الجسرين وأخرجو المحبسين من السجن ونهبو دار صاحب الشّرطة، فأنفذ المقتدر جيشا مع غريب الخال فقاتل العامّة، فانهزموا بين يديه ودخلوا الجامع بباب الطّاق، «2» فأخذوا وحبسوا، ثم ضرب بعضهم وقطعت أيدى من عرف بالفساد.
ثم أمر المقتدر من الغد فنودى/ فى النّاس بالأمان فسكنت الفتنة، ثم ركب حامد إلى دار المقتدر فى الطيّار «3» فرجمه العامّة، فأمر الخليفة بفتح مخازن الحنطة والشّعير التى لحامد ولأم المقتدر وغيرهما، وبيع ما فيها فرخصت الأسعار وسكنت الناس، فقال على بن عيسى للمقتدر:
إنّ سبب غلاء الأسعار ضمان حامد، فإنه منع بيع الغلال فى البيادر وخزنها! فأمر المقتدر بفسخ الضّمان عن حامد وصرف عمّاله عن السواد، وأمر علىّ بن عيسى أن يتولى ذلك، فسكن الناس واطمأنوا.