الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وزارة ابى القاسم الخاقانى
قال «1» : ولما تغيّر حال ابن الفرات سعى عبد الله بن أبى على محمد بن عبد الله «2» بن يحيى بن خاقان فى الوزارة، وكتب خطه أنه يتكفّل ابن الفرات وأصحابه بمصادرة ألفى ألف دينار.
وسعى له مؤنس الخادم وهارون بن غريب الخال ونصر الحاجب فتولى أبو القاسم الوزارة فى تاسع شهر ربيع الأول، وكان المقتدر يكرهه فلما سمع ابن الفرات وهو محبوس بولايته قال: الخليفة هو الذى نكب لا أنا! يعنى أن الوزير عاجز لا يعرف أمر الوزارة، ولما ولى الخاقانىّ شفع إليه مؤنس الخادم فى إعادة علىّ بن عيسى من صنعاء إلى مكة، فكتب بإعادته وأذن له فى الاطّلاع على أعمال مصر والشام.
ذكر مقتل ابن الفرات وولده
قال كان المحسن بن الوزير أبى الحسن بن الفرات «3» مختفيا كما ذكرنا، وكان عند حماته خنزابة- «4» وهى والدة الفضل بن جعفر بن الفرات- وكانت تأخذه كلّ يوم وتتوجّه به إلى المقبرة فى زىّ النّساء وتعود به إلى المنازل التى تشق بها، فمضت به يوما إلى مقابر قريش. وأدركها اللّيل فبعدت عليها الطريق وأشارت
عليها أمرأة معها أن تقصد امرأة صالحة تعرفها بالخير، فأخذته وقصدت به تلك المرأة وقالت لها: معنا صبية [بنت]«1» بكر نريد منك بيتا تكون فيه! فأمرتهم بالدّخول إلى بيتها وسلّمت إليهم قبّة فى الدار، فأدخلوا المحسن إليها، وجلس النساء الذين معه فى صفّه أمام القبة، فجاءت جارية سوداء فرأت المحسن فأخبرت مولاتها أنّ فى الدار رجلا، فجاءت المرأة صاحبة الدار فرأته وعرفته- وكان المحسن قد أخذ زوجها ليصادره فلما رأى الناس يعذبون فى داره مات «2» فجأة- فلما رأت المرأة المحسن ركبت فى سفينة وقصدت دار الخليفة وقالت عندى نصيحة.
فأحضرها نصر الحاجب فأخبرته الخبر فطالع به المقتدر، فأمر صاحب الشرطة أن يسير معها فسار معها إلى منزلها وأخذ/ المحسن وجاء به إلى المقتدر، فبعث به إلى دار الوزارة فعذّب بأنواع العذاب ليجيب إلى مال يحمله فقال: لا أجمع بين الروح والمال! فأمر المقتدر بحمله مع أبيه «3» إلى دار الخلافة فقال الوزير أبو القاسم لمؤنس وهارون بن غريب الخال ونصر الحاجب: إن نقل ابن الفرات إلى دار الخلافة بذل أمواله وأطمع المقتدر فى أموالنا وضمننا منه وتسلّمنا فأهلكنا! فوضعوا القواد
والجند وقالوا: لا بدّ من قتل ابن الفرات وولده فإننا لا نأمن على أنفسنا ما داما فى الحياة! فأمر المقتدر نازوك بقتلهما فبدأ بقتل المحسن فذبحه كما تذبح الشاه وحمل رأسه إلى أبيه فارتاع لذلك، ثم عرض أبوه على السّيف فقال: راجعوا فى أمرى فإنّ عندى أموالا جمّة وجواهر كثيرة، فقبل له جلّ الأمر عن ذلك. ثم ذبح فى يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الآخر منها، وكان عمره إحدى وسبعين سنة وعمر ولده ثلاثا وثلاثين سنة وحمل رأساهما «1» إلى المقتدر فأمر بتغريقهما ولما قتلا ركب هارون بن غريب الخال مسرعا إلى الوزير الخاقانى وهنأه بقتلهما فأغمى عليه حتى ظنّ هارون ومن هناك أنه مات، وصرخ عليه أهله، ثم أفاق من غشينه وأعطى هارون ألفى دينار. وشفع/ مؤنس فى إبنى ابن الفرات عبد الله وأبى نصر فأطلقا له، فخلع عليهما ووصلهما بعشرين ألف دينار من ماله.
قال: «2» وكان ابن الفرات كريما ذا رياسة وكفاية فى عمله، حسن السؤال والجواب، وكان مصطنعا للناس؛ فإنّ جميع كتّابه الذين اصطنعهم صاروا وزراء. وكان يستغلّ من ضياعه فى كلّ سنة ألفى ألف دينار وينفقها، وكان إذا وزر غلا الشّمع والكاغد والسكر والكافور لكثرة استعماله لذلك! وكان يجرى على
خمسة آلاف من أهل العلم والدين والبيوتات والفقراء، قال الصولى «1» : ومن فضائله التى لم يسبق إليها أنه كان إذا رفعت له قضية فيها سعاية بأحد خرج «2» من حضرته غلام فينادى.
ابن فلان بن فلان الساعى! فامتنع النّاس من السّعاية بأحد، ولم يكن فيه ما يعاب إلا أنّ أصحابه كانوا يفعلون ما يريدون ويظلمون فلا يمنعهم؛ فمن ذلك أن بعضهم ظلم امرأة فى ملك لها فكتبت إليه نشكو غير مرة ولا يرد لها جوابا فلقيته يوما فقالت: أسألك بالله أن تسمع كلامى! فوقف لها فقالت:
قد كتبت إليك فى ظلامتى غير مرة فلم تجبنى وقد تركتك وكتبتها إلى الله تعالى! فلما رأى تغيّر حاله قال لمن معه: قد خرج جواب رقعة تلك المظلومة.
/ وفى هذه السنة دخل أبو طاهر القرمطىّ الكوفة وأقام بها ستة أيام يقيم بالجامع نهارا فإذا أمسى خرج إلى عسكره وحمل منها ما قدر على حمله من الأموال وغيرها وعاد إلى هجر، ولم يحج فى هذه السنة أحد.
وفيها ظهر «3» عند الكوفة رجل ادعى أنه محمد بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب- رضى الله تعالى عنه- وهو رئيس الإسماعيلية وجمع جمعا عظيما من الأعراب