الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراشد بغداد جلسوا للعزاء فى دار النوبة يوما واحدا.
وكان الراشد بالله أشقر اللون حسن الصورة، مهيبا شديد القوة/ والبطش
ذكر خلافة المقتفى لأمر الله
هو أبو عبد الله محمد وقيل الحسين بن المستظهر بالله أبى العباس أحمد بن المقتدى بأمر الله أبى القاسم عبد الله، وأمّه أمّ ولد تدعى ياعى. وهو الخليفة الحادى والثلاثون من الخلفاء العباسيين بويع له بعد خلع ابن أخيه الراشد بالله فى ثامن عشر ذى الحجة سنة ثلاثين وخمسمائة. وذلك أنه لما خلع الراشد بالله استشار السلطان مسعود بن محمد السّلجقى جماعة من أعيان بغداد فيهم الوزير شرف الدين على بن طرّاد الزّينبى وكمال الدين صاحب المخزن وغيرهما فيمن يصلح أن يلى الخلافة فقال الوزير: أحد عمومة الراشد بالله وهو رجل صالح! قال: من هو؟ قال: لا أقدر أن أفصح باسمه لئلا يقتل: فتقدّم إليهم بعمل محضر فعمل المحضر على ما ذكرناه فلما كمل المحضر أحضر القاضى أبو طاهر الكرخى وشهدوا عنده بما تضمّنه المحضر فحكم بفسق الراشد وخلعه وحكم بعده غيره. ولم يكن قاضى القضاة ببغداد ليحكم فإنه كان بالموصل عند أتابك زنكى فلما كمل ذلك ذكره الوزير للسلطان وذكر دينه وعفّته ولين جانبه، فحضر السلطان إلى دار الخلافة ومعه الوزير وصاحب المخزن وغيرهما وأمر/ بإحضار الأمير أبى عبد الله بن المستظهر من المكان الذى كان يسكن فيه، فأحضر وأجلس فى الميمنة ودخل السلطان وتحالفا وقررا القواعد
بينهما. وخرج السلطان من عنده وحضر الأمراء وأرباب المناصب والقضاة والفقهاء. ولقّب المقتفى بأمر الله.
وقيل فى سبب هذا اللقب أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلى الخلافة بستة أيام وهو يقول: إن هذا الأمر يصير إليك فاقتف بى فلقّب بذلك ولما بويع له سيّرت الكتب الحكيمة بخلافته إلى سائر الأمصار واستوزر شرف الدين على بن طرا الزينبى، وأرسل إلى الموصل فأحضر قاضى القضاة على بن حسين الرينبى- وهو بن عم الوزير- وأعاده إلى منصبه، وأقرّ كمال الدين صاحب المخزن على منصبه، وأجرى الأمور على أحسن نظام.
قال «1» : وأرسل السلطان مسعود إلى الخليفة فى تقرير إقطاع يكون لخاصته فكان جوابه «إن فى الدار ثمانين بغلا تنقل الماء من دجلة، فلينظر السلطان ما يحتاج إليه من يشرب هذا الماء فتقرّرت القاعدة على أن يجعل له ما كان للمستظهر فأجاب إلى ذلك وقال السلطان لما بلغه قوله: «لقد جعلنا فى الخلافة رجلا عظيما نسأل الله تعالى أن يكفينا أمره» قال «2» : وخطب له على سائر/ المنابر إلا فى الموصل، فإنه لم يخطب له فيها إلا فى شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة.
وفى سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة تزوج الخليفة المقتفى فاطمة أخت السلطان مسعود وكان الصداق مائة ألف دينار، والوكيل فى
قبول النكاح وزير الخليفة على بن طراد، ووكيل السلطان فى العقد وزيره الكمال الدّركزينى.
وفيها فى الرابع والعشرين من آيار ظهر بالشام سحاب أسود وأظلمت له الدنيا، وصار الجوّ كالليل المظلم، ثم طلع بعد ذلك سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا، وهبّ ريح عاصف ألقت كثيرا من الشّجر، وكان أشد ذلك بحوران ودمشق وجاء بعد ذلك مطر كثير وبرد كبار.
وفى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وصل ملك الروم صاحب القسطنطينية إلى الشام وملك بزاغة «1» بالأمان لخمس بقين من شهر رجب ثم غدر بأهلها فقتل منهم وسبى على ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخبار الدولة الأتابكية فى أيام زنكى.
وفيها انقطعت كسوة الكعبة للاختلاف الواقع بين الملوك السّلجقية فقام بكسوتها رامشت الفارسى التاجر، وكان من التجار المسافرين إلى الهند- وهو كثير المال- فكساها من الثياب الحبرة «2» وبكل ما وجد/ إليه السبيل، فبلغ ثمن الكسوة ثمانية عشر ألف دينار مصرية.
وفيها كانت زلزلة عظيمة بالشام والجزيرة وديار بكر والموصل والعراق وغير ذلك من البلاد فخرّب كثير منها، وهلك عالم كثير تحت الرّدم. ثم كانت زلازل كثيرة هائلة بالشام والجزيرة وكثير
من البلاد فى سنة ثلاث وثلاثين، وكانت متوالية عدّة أيام كلّ ليلة عدّة دفعات وكان أشدها بالشام، فعدّوا فى ليلة واحدة ثمانين مرة. ففارق الناس مساكنهم، ولم تزل تتعاهد من أربع صفر إلى تاسع عشر، وكان معها صوت وهدة شديدة.
وفى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة جرى بين الخليفة المقتفى وبين الوزير على بن طراد منافرة، وسببها أن الوزير كان يعارض الخليفة فى جميع ما يأمر به فنفر الخليفة من ذلك، فغضب الوزير ثم خاف فقصد دار السلطان واحتمى بها، فأرسل الخليفة إليه فى العود إلى منصبه فامتنع. فاستناب قاضى القضاة الزينبى، وأرسل الخليفة رسلا إلى السلطان مسعود فى معنى الوزير فأرخص السلطان للخليفة فى عزله فعزله، ثم عزل الزينبى من النيابة، وناب سديد الدولة بن الأنبارى.
وفيها كانت زلزلة عظيمة بكنجة وغيرها من أعمال أذربيجان وأرّان، وكان أشدها بكنجة فخرّب منها كثير، وهلك عالم قيل كانوا مائتى ألف وثلاثين ألفا/ وتهدّمت قلعة هناك.
وفيها ابتنى الخليفة بفاطمة أخت السلطان مسعود وكان يوم حملها إلى دار الخلافة يوما مشهودا. وغلّقت بغداد عدة أيام، وتزوج السلطان مسعود بابنة الخليفة.
وفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وصل رسول السلطان سنجر ملكشاه إلى المقتفى ومعه بردة النبى صلى الله عليه وسلم والقضيب، وكان أخذهما من المسترشد لما قتل.
وفيها ملك الإسماعيلية حصن مصاف بالشام وكان واليه مملوكا لبنى منقذ أصحاب شيزر، فاحتالوا عليه ومكروا به حتى صعدوا إليه فقتلوه وملكوا الحصن.
وفيها توفى سديد الدولة بن الأنبارى فاستوزر الخليفة بعده نظام الدين أبا نصر محمد بن الأنبارى وكان قبل ذلك أستاذ الدار.
وفيها بنيت المدرسة الكمالية ببغداد بناها كمال الدين أبو الفتوح حمزة بن على صاحب المخزن «1» . ولما فرغت درّس فيها الشيخ أبو الحسن بن الخل.
وفى سنة أربعين وخمسمائة اتّصل بالخليفة عن أخيه أبى طالب ما كرهه فضيّق عليه وعلى غيره من أقاربه.
وفى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة فى جمادى الأولى خطب للمستنجد بالله يوسف بن المقتفى بولاية العهد.
/ وفى سنة أربع وأربعين استوزر الخليفة أبا المظفر يحيى ابن هبيرة وكان قبل ذلك صاحب ديوان الزّمام فظهرت منه كفاءة عظيمة، فرغب الخليفة فيه واستوزره يوم الأربعاء لأربع خلون من شهر ربيع الآخر «2» .