الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عود الخليفة القائم بأمر الله الى بغداد وخروج البساسيرى منها وقتله
/ قال: «1» ولما فرغ السلطان طغرلبك من أخيه إبراهيم ينال وقتله، وقتل ابنيه معه- وكان قد خرج عليه مرارا فعفا عنه، وإنما قتله فى هذه الوقعة لأنه علم أن الذى جرى على الخليفة كان بسببه فلهذا لم يعف عنه- عاد إلى العراق وليس له هم إلا إعادة الخليفة القائم بأمر الله إلى داره. فأرسل إلى البساسيرىّ وقريش فى إعادة الخليفة إلى داره على أن لا يدخل طغرلبك العراق ويقنع بالخطبة والسّكة، فلم يجب البساسيرىّ إلى ذلك، فرحل طفرلبك إلى العراق، فلما وصلت مقدّمته إلى قصر شيرين خرج حرم البساسيرى وأولاده، ورحل أهل الكرخ بنسائهم وأولادهم فى دجلة وعلى الظهر.
وكان دخول البساسيرىّ بغداد فى سادس ذى القعدة سنة خمسين وأربعمائة، وخروجه منها فى سادس ذى القعدة سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ووصل طغرلبك إلى بغداد وقد أرسل من الطريق الإمام أبا بكر أحمد المعروف بابن فورك «2» إلى قريش ابن بدران يشكره على فعله بالخليفة وحفظه وصيانته ابنة أخيه امرأة الخليفة، ويعرفه أنه أرسل أبا بكر بن فورك لإحضارهما. ولما سمع قريش بقصد طغرلبك العراق أرسل إلى مهارش يقول له:/ «إنا أودعنا الخليفة عندك ثقة بأمانتك لينكشف بلاء الغزّ عنا والآن فقد عادوا وهم عازمون على قصدك،
فارحل بأهلك إلى البرية فإنهم إذا علموا أن الخليفة عندنا فى البرية لم يقصدوا العراق ونتحكم عليهم بما نريد» فقال مهارش: «إن الخليفة قد استحلفنى بعهود لا أخلص منها» .
وسار مهارش ومعه الخليفة فى حادى عشر ذى القعدة سنة إحدى وخمسين إلى العراق فوافيا ابن فورك فى الطريق، وأرسل إليه طغرلبك الخيام العظيمة والسرادقات والخيل بمراكب الذهب وغير ذلك من التحف فلقوه.
ووصل الخليفة إلى النهروان فى الرابع والعشرين من ذى القعدة، وخرج السلطان إلى خدمته وقبّل الأرض بين يديه وهنأه بالسلامة واعتذر من تأخره. فشكر له ذلك وقلّده سيفا وقال: لم يبق مع أمير المؤمنين من داره سواه وقد تبرّك أمير المؤمنين به! قال: «1» ولم يبق ببغداد من أعيانها من يستقبل الخليفة غير القاضى أبى عبد الله بن الدامغانىّ وثلاثة نفر من الشّهود.
وتقدّم السلطان فى المسير ووصل إلى بغداد، وجلس إلى الباب النوبى مكان الحاجب، ووصل القائم بأمر الله فقام طغرلبك وأخذ بلجام بغلته/ حتى صار إلى حجرته. وكان وصوله يوم الإثنين لخمس بقين من ذى القعدة، وكانت السنة مجدبة، ولم ير النّاس فيها مطرا فجاء المطر فى تلك الليلة «2» .
قال «1» : ولما استقرّ الخليفة القائم بأمر الله أنفذ السلطان جيشا عليهم خمار تكين الطّغرائى فى ألفى فارس نحو الكوفة، وسار فى أثرهم فلم يشعر دبيس والبساسيرى إلا والسّريّة قد وصلت إليهم فى ثامن ذى الحجة من طريق الكوفة، فجعل أصحاب دبيس ابن مزيد يرتحلون بأهليهم فيتبعهم الأتراك فيتقدم دبيس ليردّ العرب إلى القتال فلا يرجعون! فمضى، ووقف البساسيرىّ وقاتل فسقط عن فرسه ووقع فى وجهه ضربة، ودلّ عليه بعض الجرحى فأخذه كمشتكين، وأتى عميد الملك الكندرى «2» وزير السلطان وقتله، وحمل رأسه إلى السلطان فأمر بحمله إلى دار الخليفة، فطيف به على قناة فى نصف ذى الحجة، ومضى، ومضى نور الدولة دبيس إلى البطيحة.
وفى سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة رتّب الخليفة أبا تراب الأثيرىّ فى الأنهار وحضور المواكب ولقّبه حاجب الحجّاب، واستوزر أبا الفتح منصور بن أحمد بن دارست، بعد أن شرط على نفسه أن يخدم بغير إقطاع/ ويحمل مالا.
وفى سنة أربع وخمسين وأربعمائة عقد السلطان طغرلبك على ابنة الخليفة القائم بأمر الله وحمل مائة ألف دينار، ولم يقع مثل هذا فيما تقدّم، وامتنع الخليفة من ذلك ثم أجاب إليه.
وفى هذه السنة عزل ابن دارست عن الوزارة ووليها أبو نصر ابن جهير.
وفيها عمّ الرخص جميع الأصقاع، فبيع بالبصرة ألف رطل من الثمر بثمانية قراريط «1» .
وفى سنة خمس وخمسين وأربعمائة وصل السلطان بابنة الخليفة فى شهر المحرم، وسار من بغداد فى شهر ربيع الأول إلى الرّىّ فمرض بها وتوفى لثمان خلون من شهر رمضان.
وفيها ملك ألب أرسلان بعد عمّه طغرلبك «2» .
وفى سنة ستّ وخمسين وأربعمائة عادت ابنة الخليفة زوجة السلطان طغرلبك وسيّر السلطان فى خدمتها الأمير إيتكين السليمانى وجعله شحنة «3» على بغداد وسأل ألب أرسلان أن يخطب له ببغداد واقترح أن يخاطب بالولد المؤيد فأجيب إلى ذلك، ولقّب ضياء الدين عضد الدولة وجلس الخليفة جلوسا عاما وشافه «4» الرسل بتقديم ألب أرسلان فى السلطنة وسيّر إله الخلع.
وفيها/ فى شهر ربيع الأول ظهر ببغداد والعراق وخوزستان وكثير من البلاد أن جماعة من الأكراد خرجوا يتصيدون فرأوا فى البرية خيما سودا، وسمعوا فيها لطما شديدا وسمعوا فيها قائلا يقول: قد مات سيدوك ملكّ الجن وأى بلد لم يلطم أهله عليه ويعملون له المأتم قلع أصله وأهلك أهله! فخرج كثير من النساء فى البلاد إلى المقابر يلطمن وينحن وينشرن شعورهن، وخرج رجال من سفلة الناس يفعلون ذلك.
قال ابن الاثير «1» : وقد جرى فى أيامنا نحن فى الموصل وما والاها إلى العراق وغيره أنّ الناس فى سنة ستمائة أصابهم وجع كثير فى حلوقهم ومات منه كثير من الناس فظهر أن امرأة من الجن يقال لها أم عنقود مات ابنها عنقود وأنّ كلّ من لا يعمل له مأتما أصابه هذا المرض! فكثر فعل ذلك، وكانوا يقولون:
يا أمّ عنقود اعذرينا
…
قد مات عنقود وما درينا
وكان النساء يلطمن وكذلك الأوباش! وفى سنة سبع وخمسين وأربعمائة ابتدئ بعمارة المدرسة النظامية ببغداد، وكملت عمارتها فى ذى القعدة سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
وفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فى العشر الأوسط من جمادى ظهر كوكب كبير له ذؤابة/ طويلة ممتدة إلى وسط السماء عرضها نحو ثلاثة أذرع فى رأى العين وهو بناحية المشرق، وبقى إلى السابع والعشرين من الشهر وغاب.
وفيها فى جمادى الآخرة كان بخراسان والجبال زلزلة عظيمة بقيت تتردد أياما تصدّعت منها الجبال وأهلكت خلقا كثيرا، وانخسفت منها عدة قرى، وخرج النّاس إلى الصحراء.
وفيها ولدت صبيّة بباب الأزج لها رأسان ورقبتان ووجهان وأربع أيد على بدن واحد «1» .
وفى سنة تسع وخمسين وأربعمائة فى ذى القعدة قتل الصّليحى صاحب اليمن «2» وخطب بها للدولة العباسية.
وفى سنة ستين وأربعمائة كانت زلزلة عظيمة بمصر وفلسطين خربت الرملة، وطلع الماء من رءوس الآبار، وهلك من أهلها خمسة وعشرون ألف نسمة، وانشقت صخرة البيت المقدس ثم عادت بإذن الله تعالى، وانحسر البحر عن الساحل مسيرة يوم فنزل الناس إلى أرضه يلتقطون منه فرجع الماء عليهم فأهلك منهم خلقا كثيرا.
وفيها عزل فخر الدولة بن جهير عن الوزارة ثم أعيد فى سنة إحدى وستين بشفاعة نور الدولة دبيس بن مزيد فمدحه أبو الفضل فقال:
قد رجع الحق إلى نصابه
…
وأنت من دون الورى أولى به «3»
ما كنت إلّا السيف سلّته يد
…
ثم أعادته إلى قرابه
وهى قصيدة طويلة.
وفيها فى شعبان احترق جامع دمشق، وكان سبب ذلك أنه وقع بين المغاربة والمشارقة حرب فأحرقوا دارا مجاورة للجامع فاتصل الحريق بالجامع، فدثرت محاسنه وزال ما كان فيه من الأعمال النفيسة.
وفى سنة اثنتين وستين ورد رسول صاحب مكة محمد بن أبى هاشم بإقامة الخطبة للخليفة القائم بأمر الله والسلطان ألب أرسلان بمكة وإسقاط خطبة صاحب مصر وترك الأذان ب «حى على خير العمل» فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعا نفيسة وأجرى له فى كلّ سنة عشرة آلاف دينار. وخطب محمود بن صالح بن مرداس صاحب حلب لهما أيضا فى سنة ثلاث وستين على ما نشرحه فى أخبار الدولة السّلجقية فقال أبو عبد الله بن عطية يمدح الخليفة:
كم طائع لك لم تجلب عليه ولم
…
تعرف لطاعته غير التّقى سببا
هذا البشير بإذعان الحجاز وذا
…
داعى دمشق وذا المبعوث من حلبا
وفيها خرج أرمانوس ملك الروم فى مائتى ألف إلى/ خلاط. «1» وأسر على ما نذكره- إن شاء الله- فى إيام ألب أرسلان.
وفى سنة أربع وستين وأربعمائة عزل إيتكين السليمانى من شحنكية بغداد واستعمل عليها سعد الدولة كوهر آيين «2» ، وكان سبب